الأحد، 15 يناير 2012

القسم 10: الورقات يفتِّشنَ عن حلّ

الفصل السادس عشر
الورقاتُ في وجُومٍ وكآبة، مُرتَمِياتٌ في غَير نظامٍ على سطح المكتب الأحمر. وقد زحَفَ على صفحاتهنَّ شيءٌ كأنه النذيرُ بالبَهَت والانطِماس.
وكانت الورقةُ الجدَّةُ– وقد نَصَلَ شيئاً ما سَوادُ حبْرِها- تَهُزُّ أعلاها وتقولُ لحفيداتها في تَنديم:
_ ألم أقُلْ لَكُنَّ ألَّا حاجةَ بنا إلى معرفة أصلِنا وممَّا نكون؟ قلتنَّ: "لا! إذا عرفْنا أصلَنا عرفْنا كيف نبلُغ غايتَنا خيرَ بلوغ!". فماذا كانت عاقبةُ المعرفة؟ ها أنتنَّ مُتشتِّتاتٌ كأنْ ليسَ لنا غايةٌ علينا أنْ نسعَى إليها!
ثم في تَهكُّم مُرٍّ:
_ إبقَيْنَ هكذا حتى يأتيَ الكاتبُ فيجِدُكُنَّ مُتشتِّتاتٍ، فيَتشتَّتَ ذِهنُه هو الآخر، ويَعدِل عن مُتابعة خطَّته في مُعالجة موضوعنا الذي بَدأه على صفحتي!
فقالت الورقةُ الأم وهي تُربِّتُ بطرَفها الأعلى على صفحة ابنتها الورَقة الأنيقة:
_ لا. لا! ما هي سِوى فترة شُرودٍ قصيرة، تعُود بعدَها بناتي الحبيباتُ إلى ما كُنَّ فيه من تتالٍ.
فالتفَتت الورقةُ الأنيقة بطرَفها نحو كُداسة الأوراق البيضاء، التي تنتظر التحبيرَ عند زاوية المكتب، وقالت لأمِّها في يَأس:
_ وماذا سنُحقِّق بتتالينا ورقةً بعد ورقة؟ تغييرَ تكوينِنا التِّبْنيِّ، أم استبدالَ السحاب الأبيض مثلاً بأسلافنا الحجارة!
وقالت الورقةُ المخطَّطة في أسى:
_ ما كنتُ أحسَب أنَّني أنتسِبُ إلى ذاك الأصل المتواضع، وأن أكونَ من تلك الجَبلَة المُبتذَلة.
فهتَفت الورقةُ المبيّضة كأنَّها تتَمزَّق:
_ كُفَّا عن هذا الكلام!
فردَّدت الورقةُ المنقَّطة على الفور:
_ نعم.. كُفَّا..
فسكتت الورقاتُ. وتَطلَّعْنَ إلى الورقة المبيَّضة التي واصلَتْ كلامَها وهي تنْتفِض:
_ هيَّا نُفكِّر في حَلّ!
فردَّدت الأنيقةُ هازئةً بمرارة:
_ حلّ؟
وأضافت المخطَّطةُ في حُرقة:
_ لا يَسَعُنا أنْ نفعلَ شيئاَ لاستبدال أصلِنا أو تغيير تكويننا.
فقالت المبيَّضةُ بعِناد:
_ لا بدَّ أن نكونَ قادراتٍ على أن نأتيَ بحل!
فسألتْها الورقة الأمُّ وهي تنزلِق نحوَها في لهفةٍ دلَّت على أنَّها تُعاني ما تُعانيه بناتُها: 
_ وما هو هذا الحلُّ يا ابنتي؟
فأجابتْها الورقةُ المبيَّضة متفكِّرةً:
_ لا أعرفه..
ثم استدركتْ في حَزْم توتَّرتْ له صفحتُها:
_ ولكنني أعرف السبيلَ إليه!
فسألتْها جدتُها الورقة الأولى بضَجر:
_ وما هذا السبيل؟
فقالت الورقةُ السادسةُ بالثقَةِ التي رُسِمَتْ بها حُروفُها أثناءَ تَبْييضِها:
_ التتالي!

الفصل السابع عشر
أَقنَعَت الورقةُ السادسةُ المبيَّضةُ أخوَاتَها بالانتظام تحتَها.
والحقُّ أنَّ المبيَّضة أظْهرَتْ حَزْماً شديداً لا يَلين في خطابها لأخواتها لم يَستطعْنَ معه إلَّا الإذعان– وإنْ على تفاوُتٍ في قوة الاستجابة؛ فالورقتان المخطَّطة والمنقَّطة بادرتا إلى الانتظام رغبةً منهما في الخروج من حَيرتهما. أما الورقةُ الأنيقة فقد تردَّدت كثيراً حتى قالت لها أختُها المبيَّضة بحرارة:
_ إنه السبيلُ الوحيد. هيَّا!
فلم تَملِك الورقةُ الأنيقة إلَّا أنْ تتَّخذَ ترتيبَها الخامسَ تحتَ السادسة المبيّضة– وهي تهُزُّ طرفَيْها في لامبالاة، غيرَ مقتنعةٍ بجَدوى أيِّ شيء.
هلَّلت الورقة الثانية– الأم– لانتظام بناتها كُداسةً واحدة. وراحت تُشجِّعُهنَّ بالتربيت على صفحاتهنَّ المُحبَّرات، نافضةً عنهنَّ ما كان تَساقط عليهنَّ من غبارٍ خلالَ مُدَّة انبساطهنَّ مُتفرِّقاتٍ على سطح المكتب. 
أما الورقة الأولى– الجدة– فقد سُرَّت لذلك سروراً عظيماً، وإنْ لم يفُتْها أنْ تأسفَ صراحةً لضياع وقتٍ ثمين تقَضَّى بين سؤالٍ وجواب! وبالغت الجدةُ في التشديد على ضياع ذلك الوقت، حتى ضاقتْ بها الورقةُ الثانية فقالت لها:
_ نسيتِ يا أماه أنَّ كاتبنا لم يَدخلْ علينا مكتبَه ولا مرةً واحدة خلالَ كل هذه المُدَّة.  إذاً فلا ذنبَ للبنات في ضياع الوقت! 
أدركت الجدةُ غفلتَها، فارتبكتْ قليلا. غيرَ أنَّها عادتْ تقول بحِدَّة:
_ ألا تعرفين أنَّ تنافُر الأوراق فيما بينَهنّ يُبعِد عنهنّ الكُتَّابَ؟!
فانْصرَفَت عنها الورقةُ الثانية، وانضَمَّتْ إلى بناتها، مُتعجِّبةً من وَلَع الورقة العجوز بالعتاب.
ووجدت الجدةُ نفسَها وحدها فسكتتْ. ثم اندسَّتْ مُدمدِمةً تحت كُداسة الورقات المُحبَّرات، مُتَّخذةً موقعَها الأول في الترتيب.
أما في أعلى الكُداسة فقد استلقَت الورقةُ السادسةُ المُبيَّضةُ صامتةً تنتظِرُ عَودةَ الكاتبِ.. سيعود قريبا. سيعود. تقول ماما: في صفحتك خلاصة قابلة للتوسيع. تقول ذلك. هي تحبُّني. وتاتا أيضا، وان تبدو متجهِّمة قلقة أحيانا. أين أنت أيها الكاتب؟ ماذا تفعل بعيدا عن ورقاتك؟ أتراه يحبِّر ورقات غيرنا على مكتب آخر؟ لو خطر هذا لتاتا! سيعود. وسيكتب عني عشر ورقات، عشرين، ثلاثين! وستكون بناتي قادرات على الإتيان بحل لاتِّضاع أصلنا وابتذال بِنيتِنا.. عن حجارة، ومن تبن! أكاد لا أصدِّق! أخواتي الورقات زعلانات.. هل من حل؟ نعم نعم إنَّه هناك! وستكشف عنه بناتي الآتيات بعد. أين أنت أيها الكاتب.. أين؟.. آ! ها أنت قد رجعت أخيرا الى مكتبك. وها هو وجهك يشرف عليَّ من فوق. هذا الوجه، ألا ما أجمل صفحته! وهاتان العينان.. ولكن ما لي أشهد فيهما بريقاً غريباً! ليس هو ببريق الاعجاب.. ألم؟ انه بريق الألم! آه.. الألم يسيل في تقاطيع وجهك كما يحفر القلم برأسه مسالك للحبر في ورقة بيضاء.. بل اني أشعر بألم الحفر في صفحتي، آه! لا أطيق الألم كأنني سأتمزَّق عند تلك الأخاديد يحفرها القلم في صفحتي، في صفحة وجهك أيها الكاتب.. يا ويلي! تمزَّقت صفحة وجهه! انتثرت المزق الكثيرة على سطح المكتب..

انتبَهَت الورقةُ المُبيَّضةُ من إغفاءَتِها القلِقة. فألفَت الشابَّ يكتُبُ في ورقةٍ بيضاءَ وضَعَها فوقَها على الكُداسة وقد توَتَّرَتْ يدُه بالقلم يَجُرُّ رأسَه المُدبَّبَ فيها. ثم ما عَتَّمَ أنْ رفَع عنها الورقةَ الجديدة المُحبَّرة. فطرحَها إلى جانبها على سطح المكتب حيثُ كانت تنْتثِرُ ورقاتٌ مُحبَّراتٌ كثيراتٌ ذكَّرنَها بما رأتْه في حُلمها الغريب.

الفصل الثامن عشر والأخير    
عَجَّ جانبُ المكتب الأيسر- غيرَ بعيدٍ من ورَقاتنا– بورقاتٍ مُحبَّراتٍ جديدات. كُنَّ كثيراتٍ، مُختلِطاتٍ بعضُهنَّ ببعضٍ حتى إنَّ الورقة السادسة المبيَّضة لم تستطعْ أن تُحصيَهنَّ. فراحت تهتف بهنَّ في حزْمٍ لا يَخلو من أريج غبطة:
_ انتظِمْنَ يا ورقات. فالأمل معقودٌ بصفحاتكنَّ الكريمات!
فقالت لها أختُها الورقة الأنيقة وهي تَميل بطرَفها إلى الورقات يَبْرُق حبرُهنَّ بالخِفَّة والشقاوة:
_ أرى أنْ نَطوي عنهنَّ حقيقةَ أصلِهنَّ ومادتهنَّ مخافةَ أنْ يُثقِلَ عليهنَّ تتاليهنَّ الشعورُ بالضَّعَة.
فأجابتْها المبيَّضة بتوكيد:
_ بل إنني لم أرغبْ في تتاليهنَّ من بَعدي إلَّا لحلِّ هذه المشكلة. أريد أنْ أدعَهنَّ يُواجِهنَ حقيقتَهنَّ بشجاعة، وأنْ يَفعلْنَ شيئاً للارتفاع فوقَها.
_ ما زلتِ تظنِّين أنَّ في إمكاننا الارتفاعَ فوق وَضاعة أصلِنا وابتذال مادَّتنا! ولكنْ كيف سيكون ذلك للورقات الجديدات؟
فقالت لها الورقة المبيَّضة بإيمان:
_ لا نهايةَ للعَجَب الذي قد تأتي به ورقةٌ قَيْدَ التحبير!
فارتفعتْ نَفْسُ الورقةِ الأنيقة بعد هُبوط. وعَبَرَتْ صفحتَها موجةُ تفاؤل. فاحتدَّتْ حروفُها الأنيقة الرسمِ بعد بَهَتٍ، حتى بَدَتْ كأنما قد اشتدَّ سوادُ كلماتها إزاءَ بَياض صفحتِها– فهتَفت:
_ ولعلَّهنَّ يَعْرِفْنَ بعد ذلك كيف تكونُ المُراجعة!
                   
بَيْنَ هذه الورقات الجديدات كانت ورقةٌ قليلةُ التحبير، واسعةُ البياض. لم يَبلُغْها نِداءُ الورقةِ السادسة المبيَّضة إذْ حالَ دون ذلك ورقاتٌ كثيراتٌ كُنَّ يَغْمُرنَها بصفحاتهنَّ، ويَمْلأنَ الجوَّ حولَها بضجيجٍ حبريٍّ كثيف.
راحت الورقةُ القليلةُ التحبير تحاول أنْ تَبْرُز من خلال الورقات حتى انسلَّتْ مُبتعدةً عنهنَّ قليلاً. فالتَفَتْنَ إليها بأطرافِهنَّ كالمُنْزعِجات ثم صاحت بها إحداهنَّ:
_ إلى أين؟ انتظِمي معنا!
فقالت الورقة في تفكُّر:
_ معكنَّ؟
فأعادت الورقةُ الغاضبة سؤالَها بلفحةٍ حارَّة:
_ أين تنفِرين؟
فأجابت ورقةٌ إلى جانبها ساخرةً بهبَّةٍ باردة:
_ لعلَّها تريد النزهةَ في أرجاء المكتب!
فارتعشتْ بالضحك الورقاتُ المُختلِطات، إلَّا ورقةً منهنَّ كانت أكثرَهنَّ امتلاءً بالحبر يُسوِّد صفحتَها- تحرَّكتْ نحوَ الورقةِ النافِرة وهي تقول لها جادَّةً:
_ خيرٌ لكِ أنْ تَلْزَمي كُداستنا!
ما عادت الورقةُ الأولى- الجدَّة- تُطيق الصمتَ الذي أَلْزَمَها به أخيراً كِبَرُ سِنِّها. فخرَجتْ من كُداستها وسْطَ المكتب لتسألَ الورقاتِ الجديدات بإنكار:
_ وما كُداستُكنَّ؟ ألَسْنا كُداسةً واحدة ؟ ألَيْسَتْ واحدةً اليدُ التي حبَّرتْ صفحاتنا؟!  
فقابلتْها بِضْعُ ورقاتٍ من وراء الورقة الجادَّة- الأكثرِ امتلاءً بالحبر- بلَفحاتٍ راوَحتْ بين الاستهجان والهُزْء. غيرَ أنَّ الورقة الجادَّة قالت للورقة الأولى بهدوء:
_ كاتبُنا واحد، بلى!  ولكنَّنا نختلف في الموضوع! أنتُنَّ ورقاتٌ تَحكي عن ذاتها. أما نحن فورقاتُ مُلاحظاتٍ خطَرتْ لكاتبنا الشَّابِّ عن مواضيعَ شتَّى: عن نفسه، وعن مُجتمعه من البشر، وحتى عمَّا كتبَه فيكنَّ أنتنَّ!
فعلَّقت الملاحظةُ الساخرة قائلة:
_ ولقد كتَب عنكنَّ أسْوأَ ملاحظات!
وعاودت الملاحظاتُ الضحكَ، في حين امتعَضت الجدَّة امتعاضاً شديداً، وهَمَّتْ بالردِّ،  لكنَّ الورقة السادسة المبيَّضة ربَّتتْ على صفحة جدَّتها– التي كانت آخِذةً بالاصفرار- تُهدِّىء خاطرَها وهي تقول لها هَمْساً:
_ ما نُريده هو أنْ نستخلصَ منهنَّ تلك الورقةَ القليلة التحبير التي أرى أنَّ صاحبَنا سيُواصل الكتابةَ فيها، مِمَّا قد يأتي بالحلِّ الذي ننتظرُه.
ثم التفتتْ الورقةُ المبيَّضة بطرَفها إلى الورقة القليلة التحبير، المُنبسطةِ بين المُلاحظات، وخاطبتْها قائلةً في تودُّد:
_ تعالَي يا ابنتي. ستجدين فينا أهلاً. ولعلَّ موضوعَنا يتمُّ على بياضك.
مالت الورقةُ في شيءٍ من التردُّد ناحيةَ الكُداسة. فما كان من المُلاحظة الجادَّة إلَّا أن اعترضتْها قائلةً بصرامة:
_ انضَمِّي إلينا نحن الملاحظات!
ثم أضافت وهي تصْطنعُ نفْحةَ النصيحة:
_ عسى الشابُّ أن يكتُبَ فيكِ من وَحْيِنا ملاحظةً تُغْنينا، وتَعصِمكِ أنتِ من سلَّة المُهمَلات التي ستَنتهي إليها حتْماً تلك الورقاتُ التافِهات!
فقالت لها الورقةُ المبيَّضة وهي تكْظِم غيظَها كَيْلا تُجَفِّلَ الورقةَ المُتردِّدة:
_ وما أدراكِ أنتِ بما سيكون؟!
_ لأنَّنا نَحكي عن الإنسان في صفحاتنا. وأنتنَّ تَغُصْنَ في أنفسكنَّ ممَّا لا همَّ للإنسان فيه!
ثم أردفَت المُلاحظةُ الجادَّةُ تقول وهي تهُزُّ أعلاها فيما يُشبِه الأسى:
_ لن يُعجِب الإنسانَ أنْ نكتُب- نحن معشرَ الأوراق- عن أنفسنا. سيُجعِّدُنا أو يُمزِّقنا حالاً ويرمي بنا في سلة المُهملات. فلطالما تناسَت الأوراقُ مُعاناتها وحملتْ في صفحاتها آلامَ الإنسان وآمالَه وحتى أوهامَه ومهازلَه!
فهتفت الورقةُ المبيَّضة بحماس:
_ إنها إذاً فرصةٌ نادرةٌ لنا إذْ وجَدنا إنساناً يُنفِق حبرَه في الكتابة عن مُعاناتنا!
فصرخت الملاحظةُ غاضبة:
_ ولكنَّكِ لن تجدي ناشراً ولا قارئاً! وكاتبُنا يُدرك ذلك، لا رَيبَ. ولعلَّه يُضمِر أنْ يُجعِّدكنَّ عند عودتهِ ويرميكنَّ في السلَّة حتى قبلَ عرضكنَّ على أيِّ ناشر!
أَخَذَ الورقةَ المُبيًّضة اليأسُ، مِمَّا ذكَّرها بما كان يَشْغَل بالَها، فالتفتتْ بطرفها إلى الورقة القليلة التحبير وتوسَّلت إليها قائلةً ببَثَّة حبرٍ حارَّةٍ بالرجاء:
_ يا ابنتي كُوني أُختاً كريمةً لبناتِ جنسِك. تَعالَيْ وتتالَيْ بعدَنا، فلعلَّكِ تأتينَ بالحلِّ الذي يَشفي قلوبَنا المُمزَّقة!
ولكنَّ الملاحظات تَجمَّعنَ فضغَطنَ الورقةَ فيما بينَهُنَّ عندما حاولت الانزلاقَ باتِّجاهِ الكُداسة.               

وفتحتُ بابَ المكتبة.. أنا الكاتب!
دخلتُ بقامتي المديدة. واتَّجهتُ توّاً إلى المكتب المُعتاد.
جمَعتُ ملاحظاتي المُتناثرة ، فتصفَّحتُها على عجَلٍ حتى عثَرتُ بالورقة التي أبحَث عنها. فوضَعتُها على المكتب، ثم رفعتُ كُداسة المُلاحظات على رفِّ من رفوف المكتبة- بنِيَّة الاحتفاظ بها لنفسي. وعُدتُ إلى المكتب الأحمر. فتناولتُ ورَقاتي العزيزات اللواتي أنْفَقْتُ الأيامَ واللياليَ في تَحْبير صفحاتهنَّ، واللواتي عشتُ مُعاناتهنَّ فعشنَ معاناتي.
رُحتُ أرتِّبُهُنَّ بين يدَيَّ في اعتزازٍ وأمل.
وشملتُ الرفوفَ على الجانبَين بنظرة امتنانٍ ، مُتوقِّفاً ببصري عند الكتاب الكبير الذي بدا كأنَّه يُبادلُني الابتسامَ بانفراج دفَّتيه!
ثم التفتُّ إلى الورقة على المكتب، التي انتقَيتُها من بين مُلاحظاتي، فتناولتُها بيدي، وقرأتُ الجُملةَ الوحيدةَ التي كنتُ قد كتبتُها فيها:
" الورقةُ بما تَحمِله في صفحتها "
تأمَّلتُ هذه الملاحظةَ طويلاً. ثم أخَذتُ بالقلم راضياً، فكتبتُ تحتَها في البياض الواسع: "الخاتمة ". وإذا بي أذكُر رغبةَ الورقةِ الأنيقةِ في المُراجعة. ابتسمتُ في تسامُح، ثم كتبتُ أُضيفُ إلى الملاحظة بخطٍّ أنيق:
" كما كتبتُه أنا ! "
ثم وقَّعتُ اسمي وتاريخَ اليوم. وألحَقتُ الورقةَ، الورقةَ الخاتمة، بورقاتي العزيزات. وحملتُ المخطوطةَ الجديدة تحتَ إبطي. وخرَجتُ من المكتبة.
                 الخاتمة   23/2/2005                                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق