الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

الحلقة 28: توصيلة سندويشات إلى عوكر

شعرتُ بالنُّعاس. فقلبتُ المحطَّة إلى قناة الجديد. هذه عبير الحلبي تقول:
_ جفري فلِتمان يستقبل كُلاً من سمير جعجع وأمين الجُميِّل وفؤاد السَّنيورة مرَّةً أخرى- ليلاً- في عيادته بعوكر.. مُشاهدينا الكرام معنا من هناك مراسلتُنا أوغاريت دندش..
تظهر أوغاريت على خلفيَّة أنوارٍ ساطعة، بيدها المذياع تقول:
_ نعم يا عبير.. يغادر العيادةَ في هذه الأثناء كلٌّ من سمير جعجع وأمين الجُميِّل..
اتَّجهت بنا الكاميرا إلى مخرج العيادة. فبدا الرجلان كأنَّما يُهرولان هرباً من الصحافيِّين. أمَّا فؤادٌ السَّنيورة فقد ودَّعهما عند الباب- بيده سَندَويشةٌ يقضم منها في تلذُّذ. هُرِعَ إليه الصحافيُّون. ودفعوا بالمذياعات نحو فمه. وسألوه بصوتٍ واحد:
_ ألن تُغادر؟
فاحتدَّت قسَماتُه. وتجمَّدت المُضغة في فمه، فانتفخ بها خدُّه الأيمن مائلاً إلى جانب. ثم صاح بعناد- وجفناه يرِفَّان:
_ باق باق..
ويُدوِّي الهُتاف.
تكتظُّ الساحة أمام العيادة الأمريكيَّة بالمُحبِّين لعزيزة..
_ إنَّهم الملايين الأربعة من اللبنانيِّين!
يُذيع ذلك صوتٌ مألوف. فتأخذُني الحميَّة. وأخرج من حال الموت الذي كنتُ فيه. وأندفع وسْطَ الحشدِ أهتف بالإنجليزيَّة مع الهاتفين:
_ أحبُّ عزيزة.. أحبُّ عزيزة!
وسرعان ما جاءت تهدر درَّاجاتُ التَّوصيل المجَّانيِّ من مطاعم الوجبات السَّريعة. وفتح الدرَّاجون الصناديقَ البلَستيكيَّة المُثبَّتة على مُؤخَّرات درَّاجاتهم.. واستخرجوا سندَويشاتٍ ملفوفةً بورقٍ أبيض. وجعلوا يُوزِّعونها على المُحتشدين الذين تدافعوا نحو الطعام كأنَّما يتقاتلون، ويمُدُّون الأيدي في لهفةٍ حتَّى يخطفُوا السَّندَويشة خطفاً!
تردَّدتُ في قبول الطعام- على الرغم من تحرُّك معدتي بألم الجوع.. والتفتَ إليَّ فتًى وهو يتمطَّق. فألفاني مُنعزلاً عن جمهور الآكلين. وظنَّ بي الخجل. ورقَّ لحالي. فاستمهلَني بإشارةٍ من يده. وراح يخوض الجماهير حتَّى بلغ درَّاجة المُوزِّع.. ثم عاد إليَّ مُتهلِّلَ الوجه. إذ ذاك لحظتُ في وجهه ملامحَ من فوزي. هممتُ بأن أسأله في ذلك. فإذا به يدفع بسَندَويشةٍ في يدي وهو يقول مُشجِّعاً:
_ كُل يا جميل. وادعُ لعزيزة!
نظرتُ إلى السَّندَويشة الملفوفة. ما عساها تكون؟ رفعتُ وجهي مُتسائلاً إلى فوزي. ولكنِّي لم أجده في الزحام. عدتُ إلى السَّندَويشة الساخنة في يدي وقد سال لها لُعابي. فمددتُ إصبعيَّ ومزَّقتُ شيئاً من لُفافتها الورقيَّة الرقيقة. وأدنيتُها من أنفي مُتشمِّماً.. أُفٍّ!
واستيقظتُ في فراشي على أشدَّ ما أكون من الانزعاج.
ولكنَّ الهُتاف لم ينقطع.. وثبتُ إلى النافذة المفتوحة وأطللتُ برأسي. الشبَّان يتصايحُون في استبشار- يدعُو بعضُهم بعضاً إلى اللحاق به. ويُهرولون.. إلى أين؟
واقتحم أبي عليَّ الحجرة هاتفاً في فرحٍ طارئ:
_ عاد المُعيَّن!

كانت هذه الحلقة 28. تليها الحلقة 29: عودة الزعيم إلى الحمَّام
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق