الخميس، 13 أكتوبر 2011

الحلقة25: سمير جعجع في معرض البيال للأزياء: أيتها المرأة المسيحية اشلحي في الشارع فإن القبضاي الإفرنسي سركوزيه يحميك من الزعران


القناة الميميَّة تنقل من قاعة البِيال عرضاً للأزياء النسائيَّة. ها هي المنصَّة المُستطيلة ممدودةٌ نحو الجمهُور بانتظار العارضات، يتصدَّرُها شعارُ دار الخياطة الراقية بمعراب مرسُوماً على الجدار: لباس الراهبة الأسود مقصُوصاً بالطول والعرض.. هذا المُصمِّم سمير جعجع يخرج إلى المنصَّة من وراء ذلك الجدار. يُصفِّق له في الصف الأمامي برنار كُشنير، ومروان حمادة، ومي شدياق،.. وفي المقاعد الخلفيَّة جمهُورٌ من اللبنانيِّين.. يُرحِّب سمير جعجع بالحضُور. ثم يقول مُفتتحاً العرض:

_ إليكم المرأة اللبنانيَّة كما ينبغي أن تظهر للعالم المُتحضِّر- منطلقةً في الشارع؟ أكيد! مزهُوَّةً في زِيِّها؟ أكيد أكيد! متحرِّرةً من الخوف الذي يستثيرُه في نفسها البعض؟ أكيد أكيد أكيد!.. (يتفجَّر التَّصفيق غيرَ أنَّ المصمِّم الشهير يقطعه متهكِّماً على مُنافسيه اللبنانيِّين في فنِّ إلباس المرأة).. ولا حاجة بنا- لحمايتها من المُعجَبين- إلى الجيش والشعب والمقاومة!
وينسحب جعجع وراء الجدار وسْطَ تصفيق الجمهُور وقهقهات كُشنير ومَي في الصفِّ الأماميِّ.. وترتفع الموسيقى الإفرنسيَّة. فتعود الكاميرا إلى المنصَّة.. لحظاتٌ من الترقُّب وتخرج- من حيث دخل جعجع- العارضات الواحدة تلو الأخرى.. الحقُّ أنَّهنَّ استثرنَ في نفسي حبَّ الحياة. وملابسُهنَّ التي تكشف ولا تستُر- وما تسترُه تُوحي به كأنَّما هو مكشُوف- تزدري بالعبايات والشادورات جميعاً.. ومن آنٍ لآخَر تنحرف الكاميرا إلى الصفِّ الأماميِّ ، إلى كُشنير ومروان حمادة وإيلي ماروني.. يتبسَّمون تارةً ويُصفِّقون طوراً. فيُخالجُني من ابتساماتهم وتصفيقهم التَّشجيعيِّ، ومن لمعة الغبطة في عيونهم أمانٌ واطمئنانٌ.. وإذا برجُلٍ يتسلَّق المنصَّة عارياً وهو يترنَّح من السُّكر! تضطرب الكاميرا بيد المُصوِّر الذي أجفل ولا شكَّ. ولكنَّه إذ يتمالك أعصابه يعود بالكاميرا إلى الرجُل العاري الذي كان- في تلك الهُنيهة الضَّئيلة- قد انقضَّ على إحدى العارضات، وأمسك بها غيرَ آبهٍ بصُراخها ونظرة الذعر التي نطقت به عيناها السَّوداوان- وقد اقتربت الكاميرا من وجهها حتَّى ملأ الشاشة.. وجهها مألوف، أتُراها.. غيرَ أنَّ الصالة ضجَّت بصيحات الاستهجان .. ووقفت مي شدياق على رِجلها الصِّناعيَّة وجعلت تصوِّت مُتَّهمةً:
_ سُوري.. سُوري.. إنَّه سُوري!
ولكنَّ الرجل ما انفكَّ يعتدي على المرأة شِبه العارية. فجرَّدها- بحركةٍ واحدةٍ- من ثيابها الرَّمزيَّة. واستدبرَها. ثم اعتلاها! ويبدو في خلفيَّة الصورة مُصمِّم الأزياء سمير جعجع مع مُرافقٍ له لعلَّه أنطُوان زهرة. تترك الكاميرا المرأة المُعتدى عليها وتذهب- بتقنيَّة التَّقريب- إلى الرجُلين كأنَّما تستنجدُ بهما. شمَّر أنطُوان عن ذراعيه مُتحفِّزاً لتأديب المُعتدي. فبانَ على ساعده وشمُ جمجُمةٍ يكسِرُها مِقصٌّ- مكتوباً تحتَها شعارُ فريق التَّفصيل بدار الأزياء الراقية: نقتُل بجُرأتنا في التَّقصير. ولكنَّ سميراً وضع على كتف مُرافقه يداً مُهدِّئةً وهو يهمس في أذُنه بما جعله يفتح فمه دهشةً وهو يُشير بذراعه إلى المرأة على المنصَّة كأنَّه يقول له: ألا ترى! ثم تراجع أنطوان- إزاء نظرة سميرٍ المُطمئنة. أعرضت الكاميرا عن الرجُلين- حدستُ وراءها في الكواليس لبنانيَّاً غيُوراً لعلَّه سيمُون الأسمر- فارتدَّت إلى مشهد الاعتداء الآثم. صارت المرأةُ على أربعٍ- خدُّها بالأرض ومُؤخَّرُها إلى أعلى، تعَضُّ زندَها مُتألِّمةً- والسَّكرانُ من خلفها يُمسك بورِكيها- يروح فيها ويجيء.. تأمَّلتُه مليَّاً فتوسَّمتُ في لحيته الخفيفة وعينيه الوقحتين شبَهاً بالأزعر السكِّير أفكدُور ليبرمان- أيكون هو؟ إلا أنَّ الكاميرا القلقة سرعانَ ما وثبَت إلى برنار كُشنير الذي انتصبَ واقفاً- يحمرُّ وجهُه غضباً للاعتداء على السيِّدة اللبنانيَّة، فيُشمِّر كُمَّي بدلته الأورُبيَّة عن ذراعيه الشَّعراوين، ويُلوِّح بقبضته مُهدِّداً مُتوعِّداً بالإفرنسيَّة:
_ أنت يا هذا.. إنَّنا قد ضمِنَّا شرفَ اللبنانيَّات إذا تعرَّينَ. فكيف سوَّلت لك نفسُك يا أزعرُ أن تنكح واحدةً منهُنَّ؟
تجمَّدت حركةُ ليبرمان. ورفع يديه عن المرأة إلى أعلى وهو يرمُق كُشنيرَ في وجَلٍ وتهيُّب.. أفلتت المرأة من بين فخذيه صارخةً- في صرختها رنَّة الفرح بالنَّجاة. ثم انحنت- عجيزتُها إلى الكاميرا- فخلَّصت كيلوتها الخيطيَّ الذي كان عالقاً في إسكربينتها، ثم رفعته حتَّى سَتَرت نفسها. لكنَّ الغضبَ لم يسكت عن كُشنير. ها هو يُهرول بعصبيَّة إلى المنصَّة- تلاحقه الكاميرا ولا تكاد تُدركُه حتَّى إذا التقطته وقد ارتقَى المنصَّة بدا جبَّاراً حقَّاً وهو يقبضُ على الأزعر من قفاه- والآخر ينكمش هلِعاً مُستسلماً.. وإذا بشريط الأخبار أسفلَ الشاشة الميميَّة يُورد خبراً عاجلاً:
حطَّت طائرة الجنرال الإفرنسيِّ نقولا سَركُوزيه في مطار رفيق الحريري، ثم توجَّه توَّاً إلى البيال من غير الإدلاء بتصريح.
سادَ قاعةَ عرض الأزياء هرجٌ ومرجٌ إذ ذاع الخبر. وتراكض اللبنانيُّون إلى المدخل- والكاميرا تُصادم الرؤوس- يستقبلون سَركُوزيه بالهُتاف القديم- بالإفرنسيَّة:
_ تحيا المرأة الإفرنسيَّة الحُرَّة!
إلا أنَّ سَركُوزيه ظلَّ مُتجهِّماً على غير عادة. كان يرتدي البِزَّة العسكريَّة العتيقة التي كانت على الجنرال العظيم شارل ديغول إذ فاجأ المُغتصبَ أدُلف هتلر وهو يعتدي على زوجتهِ فوق رمال شاطئ النُرماندي- والمرأة القويَّة تُقاومُه ولا تُمكِّنُه من نفسها. فأطلق ديغُول عليه النارَ من مُسدَّسه الحربيِّ الأمريكيِّ الصُّنع أمام عيُون حشدٍ من الشعب الإفرنسيِّ- منهم الذي نقلَ إلى الجنرال خبرَ الاعتداء، ومنهم الذي دلَّه إلى الشاطئ، والذي حمله إليه..
بلغ سركوزيه بمِشيته المُتعجِّلة المنصَّةَ المُستطيلة والكاميرا تهرول وراءه.. ولاقاه كُشنير- وكان لا يزال قابضاً على الأزعر من قفاهُ، والأخير مُستسلمٌ لمصيره لا يأتي حركةً. مدَّ سَركُوزيه يده إلى حزامه الجلديِّ واستخرج مُسدَّساً عتيقَ الطِّراز- لعلَّه مُسدَّسُ ديغولَ نفسهِ. ولكنَّه التفتَ إلى الكاميرا رافعاً حاجبيه كأنَّما يتحقَّق من حُسن التقاطها للمشهد. ولمَّا دُفِعَ بالمذياع إلى فمه صرَّح- بعد خُفوت آهات الرَّهبة من الجمهور:
_ أيُّها الرجُل اللبنانيُّ العزيز اطمئنَّ إلى سلامة شرفكَ في امرأتك أو أختك إذا تركتَها تسرحُ في الشارع بالقصير والمُخرَّم والشفَّاف والمكشوف.. (ثم صوَّب مُسدَّسه إلى مؤخَّر رأس ليبرمان، وهتف).. هذا جزاءُ كلِّ مَن يُحاول النَّيلَ من المُعادلة الذهبيَّة: سَترُ المرأةِ اللبنانيَّة في عُريها!
جعل الأزعر الإسرائيليُّ يحاول التملُّصَ بعُنفٍ من قبضة كُشنير. إلا أنَّ الرجُل الحازم زمجر مُشدِّداً قبضته. وأطبقَ سَركُوزيه شفتيه..
تحوَّلتُ عن القناة جزعاً من فظاعة المشهد..
كانت هذه الحلقة 25. تليها الحلقة 26: الوعيد الصادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق