الخميس، 13 أكتوبر 2011

الحلقة25: سمير جعجع في معرض البيال للأزياء: أيتها المرأة المسيحية اشلحي في الشارع فإن القبضاي الإفرنسي سركوزيه يحميك من الزعران


القناة الميميَّة تنقل من قاعة البِيال عرضاً للأزياء النسائيَّة. ها هي المنصَّة المُستطيلة ممدودةٌ نحو الجمهُور بانتظار العارضات، يتصدَّرُها شعارُ دار الخياطة الراقية بمعراب مرسُوماً على الجدار: لباس الراهبة الأسود مقصُوصاً بالطول والعرض.. هذا المُصمِّم سمير جعجع يخرج إلى المنصَّة من وراء ذلك الجدار. يُصفِّق له في الصف الأمامي برنار كُشنير، ومروان حمادة، ومي شدياق،.. وفي المقاعد الخلفيَّة جمهُورٌ من اللبنانيِّين.. يُرحِّب سمير جعجع بالحضُور. ثم يقول مُفتتحاً العرض:

_ إليكم المرأة اللبنانيَّة كما ينبغي أن تظهر للعالم المُتحضِّر- منطلقةً في الشارع؟ أكيد! مزهُوَّةً في زِيِّها؟ أكيد أكيد! متحرِّرةً من الخوف الذي يستثيرُه في نفسها البعض؟ أكيد أكيد أكيد!.. (يتفجَّر التَّصفيق غيرَ أنَّ المصمِّم الشهير يقطعه متهكِّماً على مُنافسيه اللبنانيِّين في فنِّ إلباس المرأة).. ولا حاجة بنا- لحمايتها من المُعجَبين- إلى الجيش والشعب والمقاومة!
وينسحب جعجع وراء الجدار وسْطَ تصفيق الجمهُور وقهقهات كُشنير ومَي في الصفِّ الأماميِّ.. وترتفع الموسيقى الإفرنسيَّة. فتعود الكاميرا إلى المنصَّة.. لحظاتٌ من الترقُّب وتخرج- من حيث دخل جعجع- العارضات الواحدة تلو الأخرى.. الحقُّ أنَّهنَّ استثرنَ في نفسي حبَّ الحياة. وملابسُهنَّ التي تكشف ولا تستُر- وما تسترُه تُوحي به كأنَّما هو مكشُوف- تزدري بالعبايات والشادورات جميعاً.. ومن آنٍ لآخَر تنحرف الكاميرا إلى الصفِّ الأماميِّ ، إلى كُشنير ومروان حمادة وإيلي ماروني.. يتبسَّمون تارةً ويُصفِّقون طوراً. فيُخالجُني من ابتساماتهم وتصفيقهم التَّشجيعيِّ، ومن لمعة الغبطة في عيونهم أمانٌ واطمئنانٌ.. وإذا برجُلٍ يتسلَّق المنصَّة عارياً وهو يترنَّح من السُّكر! تضطرب الكاميرا بيد المُصوِّر الذي أجفل ولا شكَّ. ولكنَّه إذ يتمالك أعصابه يعود بالكاميرا إلى الرجُل العاري الذي كان- في تلك الهُنيهة الضَّئيلة- قد انقضَّ على إحدى العارضات، وأمسك بها غيرَ آبهٍ بصُراخها ونظرة الذعر التي نطقت به عيناها السَّوداوان- وقد اقتربت الكاميرا من وجهها حتَّى ملأ الشاشة.. وجهها مألوف، أتُراها.. غيرَ أنَّ الصالة ضجَّت بصيحات الاستهجان .. ووقفت مي شدياق على رِجلها الصِّناعيَّة وجعلت تصوِّت مُتَّهمةً:
_ سُوري.. سُوري.. إنَّه سُوري!
ولكنَّ الرجل ما انفكَّ يعتدي على المرأة شِبه العارية. فجرَّدها- بحركةٍ واحدةٍ- من ثيابها الرَّمزيَّة. واستدبرَها. ثم اعتلاها! ويبدو في خلفيَّة الصورة مُصمِّم الأزياء سمير جعجع مع مُرافقٍ له لعلَّه أنطُوان زهرة. تترك الكاميرا المرأة المُعتدى عليها وتذهب- بتقنيَّة التَّقريب- إلى الرجُلين كأنَّما تستنجدُ بهما. شمَّر أنطُوان عن ذراعيه مُتحفِّزاً لتأديب المُعتدي. فبانَ على ساعده وشمُ جمجُمةٍ يكسِرُها مِقصٌّ- مكتوباً تحتَها شعارُ فريق التَّفصيل بدار الأزياء الراقية: نقتُل بجُرأتنا في التَّقصير. ولكنَّ سميراً وضع على كتف مُرافقه يداً مُهدِّئةً وهو يهمس في أذُنه بما جعله يفتح فمه دهشةً وهو يُشير بذراعه إلى المرأة على المنصَّة كأنَّه يقول له: ألا ترى! ثم تراجع أنطوان- إزاء نظرة سميرٍ المُطمئنة. أعرضت الكاميرا عن الرجُلين- حدستُ وراءها في الكواليس لبنانيَّاً غيُوراً لعلَّه سيمُون الأسمر- فارتدَّت إلى مشهد الاعتداء الآثم. صارت المرأةُ على أربعٍ- خدُّها بالأرض ومُؤخَّرُها إلى أعلى، تعَضُّ زندَها مُتألِّمةً- والسَّكرانُ من خلفها يُمسك بورِكيها- يروح فيها ويجيء.. تأمَّلتُه مليَّاً فتوسَّمتُ في لحيته الخفيفة وعينيه الوقحتين شبَهاً بالأزعر السكِّير أفكدُور ليبرمان- أيكون هو؟ إلا أنَّ الكاميرا القلقة سرعانَ ما وثبَت إلى برنار كُشنير الذي انتصبَ واقفاً- يحمرُّ وجهُه غضباً للاعتداء على السيِّدة اللبنانيَّة، فيُشمِّر كُمَّي بدلته الأورُبيَّة عن ذراعيه الشَّعراوين، ويُلوِّح بقبضته مُهدِّداً مُتوعِّداً بالإفرنسيَّة:
_ أنت يا هذا.. إنَّنا قد ضمِنَّا شرفَ اللبنانيَّات إذا تعرَّينَ. فكيف سوَّلت لك نفسُك يا أزعرُ أن تنكح واحدةً منهُنَّ؟
تجمَّدت حركةُ ليبرمان. ورفع يديه عن المرأة إلى أعلى وهو يرمُق كُشنيرَ في وجَلٍ وتهيُّب.. أفلتت المرأة من بين فخذيه صارخةً- في صرختها رنَّة الفرح بالنَّجاة. ثم انحنت- عجيزتُها إلى الكاميرا- فخلَّصت كيلوتها الخيطيَّ الذي كان عالقاً في إسكربينتها، ثم رفعته حتَّى سَتَرت نفسها. لكنَّ الغضبَ لم يسكت عن كُشنير. ها هو يُهرول بعصبيَّة إلى المنصَّة- تلاحقه الكاميرا ولا تكاد تُدركُه حتَّى إذا التقطته وقد ارتقَى المنصَّة بدا جبَّاراً حقَّاً وهو يقبضُ على الأزعر من قفاه- والآخر ينكمش هلِعاً مُستسلماً.. وإذا بشريط الأخبار أسفلَ الشاشة الميميَّة يُورد خبراً عاجلاً:
حطَّت طائرة الجنرال الإفرنسيِّ نقولا سَركُوزيه في مطار رفيق الحريري، ثم توجَّه توَّاً إلى البيال من غير الإدلاء بتصريح.
سادَ قاعةَ عرض الأزياء هرجٌ ومرجٌ إذ ذاع الخبر. وتراكض اللبنانيُّون إلى المدخل- والكاميرا تُصادم الرؤوس- يستقبلون سَركُوزيه بالهُتاف القديم- بالإفرنسيَّة:
_ تحيا المرأة الإفرنسيَّة الحُرَّة!
إلا أنَّ سَركُوزيه ظلَّ مُتجهِّماً على غير عادة. كان يرتدي البِزَّة العسكريَّة العتيقة التي كانت على الجنرال العظيم شارل ديغول إذ فاجأ المُغتصبَ أدُلف هتلر وهو يعتدي على زوجتهِ فوق رمال شاطئ النُرماندي- والمرأة القويَّة تُقاومُه ولا تُمكِّنُه من نفسها. فأطلق ديغُول عليه النارَ من مُسدَّسه الحربيِّ الأمريكيِّ الصُّنع أمام عيُون حشدٍ من الشعب الإفرنسيِّ- منهم الذي نقلَ إلى الجنرال خبرَ الاعتداء، ومنهم الذي دلَّه إلى الشاطئ، والذي حمله إليه..
بلغ سركوزيه بمِشيته المُتعجِّلة المنصَّةَ المُستطيلة والكاميرا تهرول وراءه.. ولاقاه كُشنير- وكان لا يزال قابضاً على الأزعر من قفاهُ، والأخير مُستسلمٌ لمصيره لا يأتي حركةً. مدَّ سَركُوزيه يده إلى حزامه الجلديِّ واستخرج مُسدَّساً عتيقَ الطِّراز- لعلَّه مُسدَّسُ ديغولَ نفسهِ. ولكنَّه التفتَ إلى الكاميرا رافعاً حاجبيه كأنَّما يتحقَّق من حُسن التقاطها للمشهد. ولمَّا دُفِعَ بالمذياع إلى فمه صرَّح- بعد خُفوت آهات الرَّهبة من الجمهور:
_ أيُّها الرجُل اللبنانيُّ العزيز اطمئنَّ إلى سلامة شرفكَ في امرأتك أو أختك إذا تركتَها تسرحُ في الشارع بالقصير والمُخرَّم والشفَّاف والمكشوف.. (ثم صوَّب مُسدَّسه إلى مؤخَّر رأس ليبرمان، وهتف).. هذا جزاءُ كلِّ مَن يُحاول النَّيلَ من المُعادلة الذهبيَّة: سَترُ المرأةِ اللبنانيَّة في عُريها!
جعل الأزعر الإسرائيليُّ يحاول التملُّصَ بعُنفٍ من قبضة كُشنير. إلا أنَّ الرجُل الحازم زمجر مُشدِّداً قبضته. وأطبقَ سَركُوزيه شفتيه..
تحوَّلتُ عن القناة جزعاً من فظاعة المشهد..
كانت هذه الحلقة 25. تليها الحلقة 26: الوعيد الصادق

الحلقة 24: جفري فلتمان الخبير الأمريكي في الضعف الجنسي يُزوّد مرضاه من اللبنانيين بخمسماية مليون حبّة فياجرا


لم تمضِ أيَّامٌ على رفع طاولة القصِّ والتَّفصيل حتَّى دَهَت حمَّامَنا داهية!
قُرِعَ عليَّ البابُ الأكرديونيُّ بينما كنتُ مُلتحماً مع المُعيَّن في مُلاسنةٍ حامية.. رفعتُ رأسي مُنزعجاً أتساءل بصوتٍ غليظ:
_ مَن؟
فجاءني صوتُ صلاح يقول بسُخريةٍ ليست من عادته:
_ لدينا زائرة!
_ زائرة؟
وتبادلتُ مع رجاء نظرةُ متسائلة. فأردف صلاح قائلاً:
_ امرأةٌ تريد مقابلة الزعيم.. تقول إنَّها مبعوثة الحفَّار إليه!

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الحلقة23: حول طاولة التَّفصيل ببعبدا- محمد رعد: المرأة اللبنانية اختبرت فاعلية الشادور في صدِّ الزعران الإسرائيليين


·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا تريدين؟
·    ألم أقُل لك ألفَ مرَّةٍ ألا تعلِّق بنطلونك في الحمَّام؟ وأيُّ بنطلون! سيكون لي حديثٌ معك في شأن ثيابك.
فقلتُ لها ضاحكاً:
_ نناقش مسألة الثياب على طاولة بعبدا!

افتتحَ الطاولةَ أمينُ مخزن العباءات الوطنيَّة في بعَبدا- ميشال سُليمان. قال بنبرته الرائقة يرحِّب بنا:
_ أهلاً بكم إلى طاولة القصِّ والتَّفصيل؛ السَّادة محمَّد رعد- وكيل مخازن الشادورات في الضاحية. سمير جعجع- كبير مُصمِّمي الأزياء في دار الخياطة الراقية بمعراب. سعد الدين الحريري- رئيس جمعيَّة الباعة الجوَّالين. ميشال عون- صاحب مشغَل الإصلاح والرَّتْق بالرابية. وليد جنبلاط..
يقاطعه جنبلاط قائلاً له في نَفادِ صبر:
_ يعرف بعضُنا بعضاً.. اطرح المُشكلة!
فيقول ميشال سليمان متسامحاً وهو يبسطُ ورقةً بين يدَيه على الطاولة ويضع على عينَيه نظَّارة القراءة:
_ هي المرأة اللبنانيَّة أمُّ المشاكل بما حَباها الله من جسَدٍ استثنائيٍّ، بين نساء الأرض، أطمَعَ فيها كلَّ عابر سبيلٍ أو مُتسكِّعٍ يَلَذُّه أن يتزَحلقَ فوقُ، ويغطُسَ تحتُ- في المُواقعة الواحدة!.. (رفع ميشال عينَيه بُرهةً من فوق النظَّارة مُتطلِّعاً في وجُوهنا حول الطاولة ثم عاد إلى الورقة).. وقد دعوتُكم أيُّها القوَّامُون على المرأة اللبنانيَّة كي تُفصِّلوا لها لباساًً إنْ هي نزَلَت فيه إلى الشارع كانت آمنةً على نفسها من تحرُّش الزعران إذا ما عَنَّ لهم أن يعُودوا إلى شارعنا للنُّزهة على درَّاجاتهم الناريَّة..

يقاطعه سمير جعجع قائلاً:
_ إذا بقينا نفكِّر في الماضي، في تهديدات الإسرائيليِّين، فلن نتقدَّم في دنيا الأزياء!
فيردُّ عليه محمَّد رعد- أبو حسن- غاضباً:
_ ليس الأمر ماضياً. إنَّ كبارَ الزعرانِ الإسرائيليِّينَ ما انفكُّوا يتوعَّدون نساءنا بالانتهاك صباحَ مساء. ألم تَرَ أوَّلَ من أمسِ الأزعر السكِّير أفكدُور ليبرمان على شاشة العربيَّة يُرقِّص لنا خصرَه إلى الأمام وإلى الوراء- باسطاً يدَيه أمام خاصرتَيه كأنَّما يقبِضُ على وَرِكَي امرأة! أو كبير الزعران نتنياهُوه أمسِ يأتي بيده عند بوَّابة النادي الأمريكيِّ حركةً وقِحةً ويقول: أمَّهاتُكم وأخواتُكم وزوجاتُكم والبنات- وكان بجانبه مُدير النادي الجديد، باراك أوباما، سامعاً ناظراً!
يرفع الأمين ميشال سليمان يده أن "دعُوني أُكمل افتتاحيَّتي" فيسُود الصمت ويُواصل قائلاً:
_ تعرفون أنَّه ليس من ذوقٍ لبنانيٍّ واحدٍ في اللباس النسائيِّ، بل هناك أذواقٌ مُتضاربةٌ تتراوحُ من أفحش الفضح إلى أشدِّ السَّتر. وأنا بين هذين الحدَّين أحافظُ على وسَطيَّتي وشِعاري:" لا طويل طويل، ولا قصير قصير" الذي على أساسه توافقتُم عليَّ بالدَّوحة، فجعلتُموني أميناً لمخزن العباءات الوطنيَّة خلَفاً للأمين السابق إميل لحُّود.. (تململَ ميشال عون في مجلسه مُتضايقاً. لكنَّ سُليمان لم يرفع رأسه عن الورقة).. بيد أنِّي أنزِلُ عند أيِّ لباسٍ تتوافقُون على تفصيله مُتعهِّداً لكم بأن آمُرَ المرأةَ اللبنانيَّة بارتدائه في الشارع- بما لي عليها من دالَّة الأمين على العباءة الوطنيَّة- على أن يكفلَ لها ذاك اللباسُ العِزَّةَ والكرامةَ، من ناحية، والراحةَ والحريَّةَ، من الناحية  الأخرى.
وطَوى ميشال سليمان الورقةَ وهو يدورُ بنظره على المُجتمعين يدعُوهم إلى الحوار. فبدأ ميشال عون مُداخلته قائلاً:
_ كنتُ سأُوصِي بالعباءة الوطنيَّة.. لكنَّها لا تصلُح- هذه الآنيَّةَ- لحماية المرأة اللبنانيَّة..
فخاطبه سمير جعجع ساخراً:
_ أظُنُّك ستُوصي بالشادور الإيرانيِّ. أليس كذلك؟
فيُجيبُه عونٌ بحِدَّة:
_ وستُوصي أنت بإلباسها المِنِجيب الإفرنسيِّ!
إلا أنَّ أميناً الجُميِّل- الأمين الأسبق لمخزن العباءات الوطنيَّة- تدخَّل بينهما قائلاً برجاء:
_ لا تُحيِّروا المرأة اللبنانيَّة في المُنافسة بين دُور الأزياء الإقليميَّة.
فيسأله ميشال سليمان باهتمام:
_ فماذا تقترح أن نُلبسَها؟
فقال الجُميِّل وهو يتراجع بظهره إلى الكُرسيِّ:
_ نُلبسُها ثيابها البيتيَّة!.. (وفي صمتٍ من الجميع واصلَ الرجُل شارحاً- بما يُعرَف عنه من حسن اختيارٍ لكلماته).. أرى أن تَنْزل المرأة اللبنانيَّة إلى الشارع بثيابها البيتيَّة البسيطة والعاديَّة مُعلنةً بذلك أنَّها غيرُ معنيَّةٍ بإغراء أحدٍ ولا بصَدِّ أحد! نعم أيُّها الباحثون عن اللباس النِّسائيِّ الأمثل. إنِّي أنادي بالحياد لنسائنا، الحياد الذي تُفصح عنه ثيابُها البيتيَّة!
فقال وليد جنبلاط ساخراً من طرح أمين الجُميِّل:
_ لا حياد في الألبسة النِّسويَّة! حتَّى ثيابُ المرأة البيتيَّة غير مُحايدة.. لأنَّ النِّسوة يلبسنَ في بيوتهنَّ ثياباً خفيفة. وهذه الثياب غالباً ما تكون فاضحةً كالشُّرت والكلسُون والشَّلحة.. وهكذا إذا نزلت اللبنانيَّة إلى الشارع بثيابها البيتيَّة فكأنَّها نزلت عمداً لإغراء الزعران بانتهاكها!
التفتَ ميشال سليمان إلى سعد الدين الحريريِّ وسأله بما هو معروفٌ عنه من علاقاتٍ تجاريَّة مع مشاغل الخليج للألبسة:
_ يا شيخ سعد.. لماذا لا تستورد لنا العبايات العربيَّة؟
فأجاب عنه محمَّد رعد قائلاً في عجَلة:
_ ما استقدَمْنا الشادورَ الإيرانيَّ إلا لانقطاع العبايات العربيَّة!
فقال سعد وهو يتفكَّر فيما يُطلَب منه:
_ آ.. آ.. آ..
فأشار ميشال سليمان إلى محمَّد رعد. فطرحَ الرجُل على الطاولة قطعةَ قماشٍ سوداء كبيرةً غطَّتها جميعاً على امتدادها. وانبرى يشرح تجربة الستَّارين:
_ يا أُخوان. قد اختبرتُم فاعليَّة الشادور إبَّانَ الزعرنةِ الإسرائيليَّة الفاشلة بتمُّوز الماضي..
يُقاطعُه فؤادٌ السَّنيورة مُردِّداً قولته التي لا يُشاركه إيَّاها أحدٌ في الشارع اللبنانيِّ- وعينُه ترِفُّ رفَّاً عصبيَّاً متواصلاً وهو ينظر إليَّ:
_ لم يفشل الفحُول الإسرائيليُّون قط. بل جاؤوا وانتهكُوا نساءنا وذهبُوا بشرفنا!
ارتفعت حول الطاولة صيحاتُ الاستهجان.. حتَّى تدخَّل ميشال سليمان طالباً من محمَّد رعد أن يُكمل مُداخلتَه. فجعل هذا يُحوقل مليَّاً وهو يهُزُّ رأسه في حُزن. ثم واصل:
_ كنتُ أسأل: إنَّ المرأة اللبنانيَّة إذا ارتَدَت عليها الشادُورَ ووقفتْ في الشارع، فأيُّ واحدٍ من الزعران تُسوِّل له نفسُه التحرُّشَ بها؟ إنَّ منظرَها في الشادور لَيقتلُ في أعتَى الزعران كلَّ رغبةٍ في الانتهاك!
أمين الجُميِّل متهكِّماً:
_ لعلَّ هذا هو توازُن الرُّعب الذي تتحدَّثون عنه!
فتضاحك فؤادٌ السَّنيورة في خُبث- وكانت في يُمناه قدَّاحةٌ ذهبيَّةٌ ما انفكَّ يُشعلُها المرَّةَ بعد المرَّة، كأنَّما يتسلَّى، ويروحُ يُدنيها من قماشة رعدٍ الشادُوريَّة السوداء.
أمَّاَ مُصمِّم الأزياء سمير جعجع فقال بأُسلوبِ الحكيم الذي يعتمِدُه- وهو يُشير نحو قماشة محمَّد رعد بمقصٍّ صغيرٍ في يده:
_ لو ارتضَينا للمرأة اللبنانيَّة الشادُورَ- على بشاعته ورجعيَّتهِ وتخلُّفه.. أقول: لو.. فإنَّ الشادُور نفسَه سيُغري الإسرائيليِّين بالتحرُّش بها!
فعلَّق محمَّد رعد وقد التقَتْ في جبينه عُبوسةٌ وابتسامة:
_ إذا تجاوزنا الإساءةَ إلى لباسنا النِّسويِّ المُقدَّس. فهذا أعجبُ ما سمِعنا!
يسأله ميشال سليمان ولم يكُن بأقلَّ عجباً من رعد:
_ الشادور يُغري! كيف هذا؟
يتبسَّم جعجعٌ شأنَ الحكيم الخبير. ثم يقول بتوكيد:
_ الشادور يُغري لأنَّه يُخفي!.. (ثم يشرح رأيه).. أنا- بخبرتي المُتواضعة في تصميم الأزياء النسائيَّة- أعتمدُ هذه الحقيقةَ كثيراً. فأُخفي جُزءاً من جسَد المرأة.. فلنقُل أسفلَ البطنِ مثلاً، أو الثديين، تحتَ سحَّابٍ مُغلَق أو أزرار. وماذا يحدُث؟.. (يدورُ بعينيه على الجميع مُتسائلاً).. لعلَّ كثيرينَ منكم مرُّوا بتجربةٍ مُماثلة.. (ولم ينتظر المُصمِّم جواباً إذ قال بثقة).. سيموتُ الرجُل في اشتهائه نظرةً إلى أسفل البطن وإلى هذين الثديين، ولا يكادُ يمنع يدَه من أن تمتدَّ غَصْباً عنه إلى السحَّاب تفتحُه أو الأزرار تفكُّها!
يُجيبُه رعدٌ بخُشونة:
_ ليس لشادُوراتنا سحَّاباتٌ ولا أزرار!
يميل سميرٌ بوجههِ إلى جانبٍ كأنَّه يُداري ابتسامةً تسخَرُ من جهل مُنافسه الخطير في سُوق الألبسة النسويَّة. وإذا بسعد الدين الحريريِّ يصيح بابتهاج- ويدُه تعبثُ بكُرةٍ من خُيوط الحرير المصبُوغِ بالأزرق مِمَّا تُصنَع منه الخيطيَّاتُ التحتيَّة الشهيرة:
_ وجدتُها!
يسأله ميشال سليمان عمَّ وجد. فيندفع سعدٌ قائلاً:
_ نُركِّبُ للشادورات سبَّاحات.. سحَّاباتٍ وأزراراً!
تسرِي حول طاولة التَّفصيل همهمةٌ لم أتبيَّن منها سوى تعليق سليمان افرنجيَّة- وكان جالساً بجانبي إلى الطاولة- إذ تمتم مُتهكِّماً:
_ فلتبقَ في تجارة اللنجُريه!
لكنَّ سعداً توسَّع بفكرته:
_ نأتي بتلك السحَّابات والأزرار من مخزن العباءات الوطنيَّة اللبنانيَّة. ويَتبلنن.. يَتلَبننُ الشادور. وتنتهي المُشكلة!
ولعلَّ سعداً أحسَّ من نِظرة جعجع إليه خشيةً من الأخير أن يتخلَّى عنه وعن تصاميمه- وهو المُروِّج الأوَّل لها في السُّوق اللبنانيَّة والعربيَّة. فقال له مُطمئناً وهو يمُدُّ يده فوق الطاولة ليشُدَّ على ذراعه:
_ لا يُفرِّقُني عنك إلا الموت!
أمَّا وكيلُ الشادُورات محمَّد رعد فجعل يُردِّد حانقاً:
_ تنتهي المشكلة؟
فيشرح سعد بحماسةٍ- من غير أن تُغيِّر حماستُه نبرةَ صوتهِ الرَّتيبة:
_ نعم تنتهي المشكلة! في الجامعات والنوادي ومقرَّات العمل والمطاعم وغيرها تفُكُّ المرأة سحَّاباتِ شادُورها وأزرارَه. فترتاح في حركتها. ولا يشكُو الرجالُ حولَها من تزمُّتها وارتدائها الشادُور في الداخل!.. (ثم يقول وقد تفتَّق ذهنُه عن فكرةٍ جديدة).. ويا حبَّذا لو نصبِغُ الشادُورَ بألوان الحياة الزاهية بدلاً من الأسود الذي يُذكِّر بالحِداد والموت!
يفتح محمَّد رعد فمه ليرُدَّ على اقتراح سعد. إلا أنَّ الشابَّ استبقه قائلاً وهو يبسط كفَّيه في وجهه:
_ أعرف ما ستقوله يا حاجُّ أبو حسن.. إذا هجمَ الزعران الإسرائيليَّة زرَّرنا لنسواننا الأزرار وسحَّبنا السحَّابات!
ويُضيف فؤادٌ السَّنيورة مُشترِطاً:
_ على أن يكون التَّزريرُ والتَّسحيبُ بيدي أنا!
فيقول الجُميِّل مُصحِّحاً:
_ بل بيد أمين بعبدا.
وراح الرجال حول الطاولة يتبادلون الكلمات والتعليقات وهزَّات الرؤوس حتَّى تولَّت رعداً خشيةٌ من أن يتوافقُوا على الاقتراح السَّخيف. فصاح سائلاً سعداً:
_ قُل لي يا شيخ سعد هل يستطيع، إذ ذاك، شريكُك جعجع أن يمنعَ يدَه من أن تمتدَّ إلى السحَّابات والأزرار فيفتحَها، ذلك كيلا يموتَ الرجُل الإسرائيليُّ في اشتهائهِ نظرةً إلى ظُلط نسائنا؟
يُعلِّق السَّنيورة مُنحرفَ الشفتين امتعاضاً:
_ عُدنا إلى الاتَّهام بالزعرنة!
يصرف ميشال سليمان النظر عن اقتراحٍ سعدٍ إذ لم يحُز التوافُق المطلوب. ويعود إلى المصمِّم يسأله بهُدوء:
_ ماذا لديك يا سمير لنسائنا؟
يقول جعجع بوَجْدٍ شديدٍ حرَّكَ فينا الأحاسيسَ وهو يدُور بوجهه علينا مُلوِّحاً بيده:
_ لديَّ آخرُ صَيحات الموضة. الفساتين المشقُوقة عن الفخذ، والمكشُوفة الظهر، والواطئة الصَّدر، وغير ذلك مِمَّا لا تجرُؤ امرأةٌ غيرُ المرأة اللبنانيَّة على ارتدائه!
يقول رعدٌ ساخراً:
_ ما شاء الله!
فيعود جعجع يقول برجاء:
_ يا جماعة، المرأة اللبنانيَّة تستحقُّ أن تُبرزَ مفاتنها. هي ليست دونَ بناتِ جنسها الأورُبيَّات والأمريكيَّات..
فيُقاطعه ميشال عون، صاحب مشغَل الإصلاح والرَّتق، غاضباً:
_ فلتلبس الأوربيَّاتُ ما شِئنَ. وهل يتربَّصُ بهنَّ الزعرانُ هناك كما يتربَّصون هنا باللبنانيَّات؟ إنَّ الإسرائيليِّينَ- كما كشف لنا المُصوِّرون الذين قبضنا عليهم- ينتظرون من نسائنا غفلةً ينكشفُ فيها لهُنَّ باطنُ فخذٍ في جلسةٍ مُسترخيةٍ بحديقة، أو ينحسِرُ من ثيابهنَّ بلُوزةٌ عن أسفلِ الظهر لدى نزُولهنَّ من سيَّارة أجرة، أو يندلقُ منهُنَّ ثديانِ في انحناءةٍ بريئةٍ لالتقاط علاقةِ مفاتيحَ سقَطَت بالأرض.. وتُريد أنتَ يا جعجع- هذه الآنيَّة- أن تكشفَ، بتصاميمك المسروقة، كلَّ تلك المفاتن لعُيون الزعران بالمجَّان! لا شكَّ عندي أنَّك في الحقيقة تُضحِّي بالمرأة اللبنانيَّة في سَبيل تصريفِ مجموعاتك الصيفيَّة من الألبسة النسائيَّة، كما ضحَّيتَ قديماً بالعشراتِ من بنات حيِّنا ونحن نلعبُ في صِبانا لُعبةَ عصابات الأحياء!
تولَّى ميشالَ سليمانَ الجزعُ من أن يَحمَى النقاشُ بين عونٍ وجعجع. فأشار إلى فؤادٍ السَّنيورة. فهتف هذا- وعينُه ما تزال ترِفُّ:
_ خير الألبسة النسائيَّة الملاءة الصَّعيديَّة!
أوَّل المُعترضين كان سمير جعجع إذ صرخَ بالسنيورة مُتسائلاً من شعُورٍ جريح:
_ ماذا تقول؟
فقال السنيورة مُتجاهلاً استهجانَ صديقه:
_ وعَدَني التاجر الصعيديُّ أحمد البديوي باستقدام باخرةٍ من الملاءات الصعيديَّة بأسعار رمزيَّة.. (ثم كأنَّه استشعرَ في الجوِّ استياءً قال يُدافع عن زيِّه المُفضَّل للبنانيَّات).. هل تشُكُّون في قدرة الملاءة الصعيديَّة على إماتة الرغبة في نفوس الزعران؟ لعلَّها في ذلك أقدرُ من الشادور!
بُهِتَ محمَّد رعد فلم يدرِ ماذا يقول. غيرَ أنَّ ميشال عون قال مُحتدَّاً وهو يُخاطب القوَّامين على المرأة اللبنانيَّة حول الطاولة:
_ الملاءة فتنة!.. (وتريَّث قليلاً يدورُ بنظره على الجميع ثم قال شارحاً).. هل رأى أحدٌ منكم امرأةً مصريَّةً ترتدي ملاءة؟ إنَّها لَتشُدُّها حول خصرها شدَّاً تتجسَّمُ به عجيزتُها حتَّى تكاد تنطقُ قائلةً للأزعر.. (وتبسَّم عونٌ وهو يُقلِّد اللهجة المصريَّة).. تعالَ ورايا!
ضحك محمَّد رعد مُتخفِّفاً من قلقٍ تولاه لطرح السنيورة. وتراجع ميشال سليمان بظهره إلى مسند كُرسيِّه وهو يقول بحزم:
_ فلنبقَ في العباءة الوطنيَّة.. (ثم مخاطباً سميراً).. لماذا لا تُزاوج أيُّها المُصمِّم بين العباءة الوطنيَّة والشادور؟
فصاحَ ميشال عون باستحسانٍ- في يده الإبرةُ والخيط البُرتُقاليُّ:
_ هذا ما أدعو إليه!
إلا أن جعجعاً قال بسلبيَّة:
_ من الشادور والعباءة لا يخرجُ تصميمٌ بأيَّة قيمةٍ جماليَّة- مهما كانت عبقريَّة المُصمِّم!
فقال له محمَّد رعد بفُتور:
_ ومن قال إنَّك مُنتهى العبقريَّة في تصميم الأزياء؟
يضحك عونٌ شامتاً وهو يقول:
_ يا لبنانيَّة تظلَّطي أو لا لباسَ لك عند جعجع!
فعلَّق رعد بمرارة:
_ البعض لا يبدو حريصاً على أعراض نسائنا!
فقال ميشال سليمان- الأمين على العباءات والأعراض- بصدق:
_ سأحمي اللبنانيَّاتِ جميعاً برُموش عينيَّ!
استاء لكلمة سليمان هذه كلٌّ من جعجع والجميِّل والسَّنيورة.. إلا أنَّ أمين مخزن العباءات الوطنيَّة تجاهلهم مُخاطباً وليد جنبلاط الذي كان يُصغي مكتوفَ اليدين- يهزُّ رِجليه تحتَ الطاولة:
_ لم نسمع رأيك يا وليد بك. ماذا تريد أن تُلبسَ نساءنا؟
يتنحنح جنبلاط. ثم يقول وهو يحُكُّ رأسَه ويُطبق جفنَيه في استهانة:
_ بنطلون الجِنْز!
يصمت الجميع.. فيقول حنبلاط شارحاً رأيه:
_ بنطلون الجِنْز- حتَّى لو كان ضيِّقاً مُثيراً يُجسِّم العجيزة والفخذين- فإنَّه يُصعِّب على الزعران انتهاكَ لابسته. انظُروا.. (ووقف الرجُل فابتعد عن الطاولة قليلاً كيما يراه الجميع وجعل يشُدُّ بإصبعَيه قماشة بنطلونه فوق الفخذ).. قماشُه متين.. (وانتقل بإصبعَيه إلى الزرِّ فوق بطنه).. وارتباطُ أزراره بعُراها مَكين.. (ثم قبض على السحَّاب وراح يُحاول سحبَه في جَهد).. وسحَّاباتُه غليظةٌ مُتعسِّرةُ السَّحبِ عُنوةً.. (وقعد وهو يقول مُختتماً مُداخلته).. وإذا أضفنا إلى مُميِّزاته هذه أنَّ عصريَّته مُتجدِّدة، استطعنا أن نقول إنَّ بنطلون الجِنْز يجمعُ بين الحماية والحداثة.
يبدو جعجع كالمتفكِّر في كلمةٍ يعترضُ بها على جنبلاط. إلا أنَّ رعداً قال مُستوصياً بالصَّبر:
_ فلنُسلِّم بأنَّ بنطلونات الجِنْز تمنع الزعران عن النِّسوة. فمن أين نأتي بها؟
فقال سعد الحريري بتفاؤل:
_ من مخازن النادي الأمريكيِّ.
إلا أنَّ ميشال سليمان تمتم بأسف:
_ ولكنَّ فرعَ الألبسةِ في الإسطِرِبطيز لم يعرِضْ علينا سوى المراييلَ الحُمر التي ترتديها خادماتُ طاولات القمار في النادي!
فيحثُّه محمَّد رعد على مواصلة الحديث قائلاً في ظفَر:
_ خبِّرهم أيُّها الأمين عن تلك المراييل، خبِّرهم عن تصميمها.. أليست تكشفُ عن عجيزة لابستها؟
سارع ميشال سليمان للتأكيد:
_ قد رفضتُها.. تعرفون ذلك.
دحرجَ سعد الدين الكُرةَ الحريريَّة على الطاولة فوقَ قماشة رعدٍ السوداء. فتلقَّفَها وليد جنبلاط وراح يُلاعبُها بين يديه. وحوَّل ميشال سليمان نظره عن الكُرة. وتوجَّه إليَّ بالسؤال- وكنتُ أعبثُ في يدي بحبَّات سُبحة المُعيَّن الأحمر:
_ وأنتم يا جميل- في حركة الفضَّاحين- ماذا لديكم للمرأة اللبنانيَّة إذ يتوعَّدها الزعران- صباحَ مساء- بالانتهاك؟
استويتُ في جِلستي إلى الطاولة. ثم أجبتُ باقتضاب:
_ الافتضاح!
ضحك ساخراً ميشال عون. وقطَّب حانقاً محمَّد رعد. وتبسَّم يُخفي امتعاضَه سعد الدين الحريريُّ. والتفتَ برأسه إلى جانبٍ سمير جعجع..
لاحَظَ ميشال سليمان استخفافَ المتحاورين باقتراحي- وكان قد اعترضَ كثيرونَ على دعوتي أصلاً إلى طاولة بعبدا للقصِّ والتَّفصيل- كما اعترضَ عمر كرامي، شيخ شرفاء طرابلس، على دعوة سمير جعجع مُصرِّحاً برفضه الاجتماعَ على طاولةٍ واحدةٍ مع "قاتلٍ مُجرم"- وكان التبسَ الأمرُ على الشيخ الطرابُلسيِّ العجُوز في اللعبة الصبيانيَّة "أبطال وحراميَّة" وفيها قتلَ جعجعٌ أو على الأصحِّ تظاهرَ بأنَّه قتلَ رشيداً أخا عُمر! وكما احتجَّ الطبيب أسامة سعد، شيخ الشُّرفاء في صيدا، على إشراكِ جعجع في تفصيل اللباسِ الساتر للبنانيَّات، وتسميتهِ قوَّاماً عليهنَّ- وهو الذي عُرِفَ ومُوظَّفي داره بتعرية نسائنا للزُّعران الإسرائيليِّين يستحِلُّون منهنَّ الأبكار- كما زعمَ.   
ولكنَّ الأمين ميشال سليمان قال للقوَّامين على نسائنا مُبرِّراً دعوتَه لي إلى الطاولة:
_ إنَّ لحركة الفضَّاحين شعبيَّةً لا يُستهان بها في الشارع اللبنانيِّ.. (ثم التفت إليَّ مُتسائلاً في اهتمامٍ مُتأدِّب- شأنُه مع كلِّ اتِّجاهات الموضة اللبنانيَّة).. هل لك يا أستاذ جميل أن تشرحَ لنا كيف نصُدُّ الزعرانَ عن نسائنا بفضحِهنَّ أمامهم؟
مضيتُ أقول- شاعراً بخطورة الطَّرح الذي لم تأتِ به الأوائلُ:
_ أيُّها الرجال. إنَّ أولئك الزعران ليسُوا برجال! وما كانوا- عمرَهم- رجالاً. وقد شهِدتُم في الانتهاك الماضي انهيارَ أُسطورة "الفحل الإسرائيليِّ الذي لا يَستَحي". نعم. أيُّها الغيُّورون على أعراضنا إنَّ ما ترَونه بالزعران من مَرجَلةٍِ إنَّما هو وقاحةٌ، وليس برجولةٍ حقَّة. وإنَّه لا يفضَحُ عجزَهم الجنسيَّ إلا أن تفتضحَ نساؤنا في مُواجهتهم! أؤكِّد لكم إذ ذاك أنَّ أعضاءهم ستذبلُ إلى الأبد. ولن يجرؤَ الأزعرُ منهم بعد ذلك أن يرفعَ عينَه في عين أيَّة امرأةٍ لبنانيَّة- سواءٌ أكانت لابسةً الشادور.. (ونظرتُ إلى محمد رعد).. أو العباءة والطَّنطُور.. (ناظراً إلى ميشال عون).. أو المِنجيب.. (وأنا ألحظ سميراً).. أو حتَّى لو خرجت عارية!
وارتفعت همهمةُ احتجاجٍ من الجميع بلا استثناء. وبدا على ميشال سليمان الحَرَج. فانتقلتُ من إبداء الرأي إلى الانتقاد قائلاً:
_ إنَّ صدَّ أيِّ أزعر يعودُ إلى المرأة نفسِها وليس إلى اللباس على جسمها.. (تتواصل الهمهماتُ الساخطة فأتابع بإصرار).. بنظرتها إليه تدعُوه وتُقرِّبُه منها حتَّى تصيرَ المسافةُ بينه وبينها صِفراً، وبنظرتها تدفعُه عنها وتُبعده آلافَ الأميال.. (لاحظتُ في وجه سليمان افرنجيَّة بجانبي- استحساناً لكلامي، فاندفعتُ أزيد).. أنتُم أيُّها القوَّامون على المرأة اللبنانيَّة تُهمِلون المرأةَ اللبنانيَّة نفسَها- مُنشغلينَ عنها باللباس الذي ترَونه مُناسباً لها- في حينَ تمنحُها حركتُنا، حركة فضَّاحي المُعيَّن في وجُوه الوقحين، مُنتهى الثقةِ ولو نزَلتْ إلى الشارع وليس على جسَدها قماشة!  
وإذا بفؤادٍ السَّنيورة يصيحُ بالأمين ميشال سليمان- وجفناهُ كلاهُما يَرِفَّان:
_ فلتُشطَب كلمة "المُعيَّن" من البيان الختاميِّ للجلسة!
فانفعل الأستاذ نبيه برِّي- وكان آثَرَ الصمتَ طوالَ الحوار- وسأل السَّنيورة مُعترضاً:
_ لماذا تشطُبها؟
فأجاب السَّنيورة بحُنق:
_ أليس من العيب أن يقرأ الناسُ هذه الكلمة في أدبيَّاتنا؟
فسأله سُليمان افرنجيَّة ساخراً:
_ ألا تريد- بدلاً من المُعيَّن- أن تذكُر عزيزة؟.. (ثم أضاف يقول للرجال غيرَ مُبالٍ بردِّ السَّنيورة).. أريد أن أقول شغلة: كم مرَّةً طلبتُ إليكم تعريفَ اللبنانيِّ الشاذِّ؟
وإذ وجد سعدٌ الحريريُّ شريكَه التجاريَّ هدفاً للهجوم أشار إليه مُخاطباً الجميع برجاء:
_ فؤاد السَّنيورة خطٌّ أحمر!
تدخَّلتُ في الجدال. فقلتُ للرجُل- وإن أدركتُ السببَ الحقيقيَّ لطلبه:
_ ليس إلا ذكراً للاسم في بيانٍ لا قيمةَ له..
فالتفت إليَّ السَّنيورة. وقال بحقدٍ وهو يُشير إلى جفنَيه الذين لا يكُفَّانِ عن الرَّفرفة:
_ ستنال يا جميل جزاء فعلك هذا..
إنَّه يَضطَغنُ على حركتنا افتضاحَ المُعيَّن في وجهه صارخاً: وقاحة- على خلفيَّة طعنهِ في شرفهِ بإنكاره سلامتَه من الأذى في انتهاك تمُّوز..
كانت هذه الحلقة 23. تليها الحلقة 24: انتقام خليل الحفَّار


الأحد، 2 أكتوبر 2011

الحلقة 22: روائح خبيثة تتسرَّب من شقَّة مروان حمادة

·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا؟
·    ألا تزال تنتظرني؟
_ لا بُدَّ أن تخرُجي في آخر الأمر!     
ثم عادت عزيزةُ إلى الحمَّام.
كنتُ في المغطس أستحمُّ في حضرة المعيَّن. فقُيِّض لي أن أشهدَ عودتها واعتذارَها. إلا أنَّ الفرج الزعلان استدبَرَها في ازدراء. تدانت عزيزة من قفاه في وجَلٍ وهي تقول نادمةً:
_ عدتُ تائبةً أيُّها الزعيم!
أطبق المُعيَّن أشفاره مُضرِباً عن الكلام.. فقالت العجيزة الخاطئة:
_ عاقبني بما تشاء. لو أقعدتَني على الخازُوق ما باليتُ. ولكنْ لا تُعذِّبني بصمتك!