الأحد، 2 أكتوبر 2011

الحلقة 22: روائح خبيثة تتسرَّب من شقَّة مروان حمادة

·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا؟
·    ألا تزال تنتظرني؟
_ لا بُدَّ أن تخرُجي في آخر الأمر!     
ثم عادت عزيزةُ إلى الحمَّام.
كنتُ في المغطس أستحمُّ في حضرة المعيَّن. فقُيِّض لي أن أشهدَ عودتها واعتذارَها. إلا أنَّ الفرج الزعلان استدبَرَها في ازدراء. تدانت عزيزة من قفاه في وجَلٍ وهي تقول نادمةً:
_ عدتُ تائبةً أيُّها الزعيم!
أطبق المُعيَّن أشفاره مُضرِباً عن الكلام.. فقالت العجيزة الخاطئة:
_ عاقبني بما تشاء. لو أقعدتَني على الخازُوق ما باليتُ. ولكنْ لا تُعذِّبني بصمتك!
وإذ أصرَّ الفرجُ على التزام الصمت قالت عزيزةُ تستعطفه:
_ علمتُ بعيادتك لي بالمُستشفى بعد محاولة اغتيالي!
تأثَّر الزعيم.. بدا ذلك في اختلاجةٍ طفيفةٍ من شِفريه الصغيرين. وأخيراً قال لها مُعاتباً- ولمَّا يلتفتْ إليها:
_ تنقلبينَ عليَّ يا عزيزة!
زمَّت العجيزةُ عضلاتِ إستها كأنَّما تحبسُ ريحاً خافت أن ينطلق بغتةً. غيرَ أنَّ الزعيمَ لم يرحمها، إذ تابع يقول:
_ أخبرتني العيونُ أنَّكِ كنتِ تلتقين كلَّ ليلة بالإحليل الوقح خليلٍ الحفَّار- من ورائي!
ارتخت العضلاتُ الدائريَّة. فمِلتُ بأنفي جانباً في تقزُّز. ولكنْ بدا أنَّ عزيزة تمالكت نفسَها في اللحظة الأخيرة فعادت تزُمُّ مخرجَها.. وقال المُعيَّن مُواصلاً عتابه:
_ وبدعوى الحُريَّةِ والسياحةِ والإسْطِرِبطيز شَذذتِ بأكثريَّة اللبنانيِّينَ أيَّما شُذوذ!
وأفلتَ من عزيزة ما كانت تحبسُه. فعبقت بالحُجرة رائحةٌ خبيثةٌ، وددتُ معها لو أقعدَ الزعيمُ تلك المُنقلبةَ على الحازُوق!.. ولكنَّه ما زال يستدبرُها وراءه مُطبِقاً أشفارَه في استياء.. وطال به الصمتُ كأنَّما ليُطيلَ تعذيبها حتَّى خفتُ أن تُصابَ العجيزة الخائفة بإسهالٍ يُلوِّث علينا الحمَّام. فأردتُ أن أُشيرَ على الزعيم أن ينفيَها إلى الإسطِرِبطيز- هي التي أعلنت مِراراً عن توقها إلى التعرِّي فيه.. حتَّى تساءل مُتقبِّضَ الأشفار امتعاضاً:
_ ماذا أفعل بك؟
إذ ذاك خطر لي اقتراح. فخاطبتُ المُعيَّن جادَّاً:
_ هل أُشير عليك يا ريِّس؟
فانفرَجَ شِفراهُ لي بعضَ الانفراج وهو يُتمتم:
_ قُل ماذا ترى يا جميل؟
فقلتُ وأنا ألوي شفتيَّ في حكمة:
_ أرى أن تُكفِّرَ عزيزةُ عن خطيئتها.
جاءني من وراء صوتُ عزيزة الرِّيحيُّ تقول بحماسةٍ وامتثال:
_ أفعل ما تريدان!
فسألني المُعيَّن باهتمام:
_ وكيف تُكفِّر هذه العجيزةُ عن خطيئتها؟
فأجبتُ كأنَّما الأمرُ في غاية البساطة:
_ بالافتضاح في وجُوه السياسيِّين الذين يتَّخذون مواقف تشُذُّ باللبنانيِّين عن طبيعتنا الشرقيَّة السَّويَّة!
زفرت عزيزة في ارتياح صائحةً:
_ أنا مُوافقة!
راقت الفكرة للمُعيَّن كما بدا لي من التماع شِفرَيه الأصغرَينِ بسائله المُتحلِّب. بيد أنَّه تساءل:
_ بمَن نبدأ؟
وانفلتت عزيزة مُتحمِّسةً تردِّد السؤال:
_ في وجه مَن أفتضح يا تُرى؟
لم يطُل الصمتُ حتَّى قلتُ في إغراء:
_ ما رأيكِ أن تفتَضِحي يا عزيزة في وجهِ الذي قال "تزَعرنَّا ولا نستَحِي بتاريخنا"؟
فسأل المُعيَّنُ مُخمِّناً:
_ ابن الجميِّل!
_ هو بعينه.
ولعلَّ النشوةَ أخذت المُعيَّنَ إذ انفرجَ شِفراه الأصغران رُويداً رُويداً حتَّى بان باطنُه الزَّهريُّ اللمَّاع. وصاح بكبرياء:
_ أنا الزعيم الطبيعيُّ!
ولمَّا وضع المُعيَّن عليه قناعَه الأسود المُثلَّث، وانصرفَ لبعض شأنه خارجَ الحمَّام، التفتت عزيزةُ إليَّ في المغطس برِدفيها الدَّسِمين وقالت مازحةً في نفاد صبرٍ مُصطَنع:
_ ألم تفرغْ بعدُ من حمَّامك؟ هيَّا اخرُج من المغطس! أريد أن أغتسل.
فسألتُها وأنا أصفعُها بكفِّيَ المُبتلَّة بالماء والصابون على رِدفها الأيمن- يبين به نَدبٌ من أثر محاولة اغتيالها الآثمة:
_ كيف تركتِ حماتَكِ؟
نفخت قائلةً في استياء:
_ كُندي.. لا تذكِّرني بها.
فقلتُ مُتخابثاً:
_ التي استبدلتِها بخالك السُّوريِّ!
تقبَّض رِدفاها وقالت مُتذكِّرةً وهي تدنو من المغطس:
_ كانت رِقَّتُها أشدَّ عليَّ من قسوة خالي. وفي حين أنَّ خالي رستُم غزالة كان يحبِسُني في القبو، وينفي علمَه باحتجازي، فإنَّ حماتي كُندي أصرَّت على إلباسي آخرَ صيحات الموضة من الكيلوتات الخيطيَّة والشفَّافة والمُخرَّمة والمفتوحة لتُقدِّمَني هكذا لضيوفها في نوادي التعرِّي- على ألا أنطقَ بحرف.. (وعادت تصرخُ بي في حِدَّة).. هيَّا اخرُج من المغطس!
فقلتُ لها وأنا أتناول المِنشفة عن حاملها المعدنيِّ بالجدار:
_ ألا أفرُك لكِ ما بين رِدفيكِ؟
فهتفت في دلال:
_ إليك عنِّي.. ارفع يدَك!
انسكبت مياهُ المرشَّة الساخنة على عزيزة. فجعلت تَئِنُّ لشدَّة حنينها إلى حمَّامها القديم وقد طال غيابُها عنه. لففتُ جسميَ بالمنشفة. واقتعدتُ كرسيَّ المرحاض. وقلت لها بحُبِّ استطلاع:
_ خبِّريني عن تجربتك مع كُندي.
فقالت مُتهرِّبةً من خلال البُخار المتصاعد عنها:
_ أنت تعرف ما جرى.
فرجوتُها بلهفة:
_ خبِّريني يا عزيزة..
سكتت دقيقةً تستمتع بجريان الماء على إليتَيها. ثم أنشأت تقول على وقع تساقُطه في المغطس:
_ أنت تذكر يا جميل ولا شكَّ زيارة كُندي لشارعنا خلال انتهاك الزعران الماضي. زارت أزواجي الأربعة عشر. واستأذنتهم لاصطحابي معها في جولةٍ على النوادي الأمريكيَّة بالعالم ريثما يستردُّ زعرانُ ألمرت المُعيَّنَ من قبضة الستَّارين. يا لها من جولةٍ مُحبِطةٍ يا جميل كان لها أبلغ الأثر في اتِّخاذي قراري بالعودة. اسمع: في الضفَّة الغربيَّة نزلنا ضيوفاً على نظيرتي زوجة محمود عبَّاس في نادي رام الله. فوجدناها مُصابةً بإسهالٍ شديدٍ لكثرة ما يسقيها محمودٌ من وصفات الحَبَل الأمريكيَّة والأورُبيَّة والعربيَّة- كلُّ ذلك من غير جدوى. والمُضحك أنَّ الزوج الذي بدا سعيداً لم يكُفَّ عن شكر كُندي- أمِّه بالتبنِّي- على نعمتها!
في بغداد رُحنا نسأل النواديَ عن نظيرتي العراقيَّة. فقالوا لنا إنَّها بالمُستشفى. ولمَّا عُدناها كانت المسكينة على الزحَّافة تخرَى دماً. صُدِمت حماتي وأمسكتْ صدرها وهي تسأل الطبيبَ عمَّا أصاب كنَّتها. فأجابها مُتسائلاً في اتِّهام:
_ كم زوجاً زوَّجتِها في بغداد؟ ألم تخشَي عليها النَّزف؟
أمَّا في أفغانستان فإنَّنا لم نستطع إدراكَ نظيرتي زوجة حامد كرزاي. فسقطت كُندي بالجلطة!
سألتُ مُحدِّثتي وأنا أضحك شامتاً بالمُتبنِّية الأمريكيَّة:
_ كانت تلك العجيزة بالمُستشفى هي الأخرى؟
_ لا.. كانوا قد دسُّوا لها القطنة في إستها ودفنوها!       
قهقهتُ ضاحكاً حتَّى كدتُ أسقط عن الكرسيِّ. وواصلت عزيزةُ تقول:
_ أمَّا نظيرتي في باكس..
فقاطعتُها قائلاً:
_ فلنعُد إلى شارعنا.. خبِّريني يا عزيزة عن حفلات العربدة التي كان يُحييها حولكِ أعضاء حركة "عزيزة أوَّلاً".
فقالت عزيزة وهي تخرُجُ من تحت المِرشَّة- يلتمع رِدفاها بالماء:
_ ماذا أُخبرك يا جميل؟.. كانوا يجمعُون حولي كلَّ مَن هَبَّ ودَبَّ من الشَّواذِّ- همُّهم أن يُوحُوا للهوَى العامِّ اللبنانيِّ أنَّهم الأكثريَّة، يُريدونَ بذلك أن يظهرَ عشَّاقُ المُعيَّن وكأنَّهم هُم الأقليَّةُ الشاذَّة!
فقلتُ أهُزُّ رأسي:
_ قد كشَف اللبنانيُّون زيفَهم.. ماذا كانوا يتحدَّثون في تلك الحفلات الماجنة؟
فقالت عزيزة وهي تزُمُّ إستَها في استياءٍ تصطنعُه عادةً قُبيل التَّنفيس:
_ أفواهُهم تلوكُ المُعيَّن: ماذا فعل وماذا ترك.. حتَّى أنَّهم تحدَّثوا عن علاقةٍ للمُعيَّن بخليلٍ الحفَّار!
وارتخت عضلاتُ إستها الدائريَّة. فعبق جوُّ الحمَّام برائحةٍ خبيثةٍ. فساءلتُها مُقطِّباً وأنا أسُدُّ أنفي:
_ لعلَّ ذلك دأبَهم كلَّما خَلَوا بكِ؟
_ بل كانوا يحرِصُون على دعوة الغرباء الأجانب.
فهتفتُ بإنكارٍ وأنا أُروِّح بيدي على أنفي:
_ أما استحَوا من الخوض أمامهم في خصُوصيَّات المُعيَّن وشُؤونه الحميميَّة؟ أُف! 
فقالت عزيزةُ:
_ ليس هذا فحسب..
وسكتت وهي تعود فتزُمُّ إستَها في تحفُّظٍ مُصطنعٍ أيضاً. فقلتُ لها أحثُّها على التَّنفيس شاعراً بانتفاخها بالغازات:
_ نفِّسي يا عزيزة. أريد أن أعرف إلى أيِّ مدى يذهبون في وقاحتهم.
فقالت بإشفاقٍ وعضلاتُ إستها الدائريَّة ترتخي قليلاً:
_ إنْ أنسَ لا أنسى تلك الليلة السَّوداويَّة المُرهِقة، ليلةَ الخيبة.
_ أية ليلة؟ وأين؟
_ عشيَّةَ اليوم الثالث والثلاثين من انتهاك تمُّوز، في شقَّة مروان حمادة المُطلَّة على كُرنيش البحر.
أسندتُ ظهري إلى السِّيفُون وأنا أقول مُتنهِّداً:
_ نفِّسي عن باطنك ترتاحي يا عزيزة.
اقتعدت عزيزة حافَّةَ المغطس على إليتها اليُسرى تاركةً إستها في الهواء، فتكوَّرت إليتُها اليُمنى بإغراء.. ثم أنشأت تقول:
_ كنتُ أزيِّن السهرة بكيلوتي الخيطيِّ الذي أهدانيه الشيخ سعد. لكنَّ العيون كانت تتابع قناةَ المنار في نقلٍ حيٍّ من ملعب الراية لمهرجان السلامة، بينما غصَّ الكُرنيش بالأبواق المُبتهجة وعُشَّاق المُعيَّن الهازِجين المُحتفلين بسلامة شرفهم من الأذى، وقد صَدَح صوتُ فبروز تغنِّي للعائدين في راديوات الباصات "ع هدير البُوسطة"..
_ مَن حضر الأمسية عند مروان؟
_ وليد جنبلاط مُهندس الاتصالات، وجفري فلتمان، الخبير في الضعف الجنسيِّ، والصيدلانيُّ الإفرنسيُّ برنار إيمَييه.
_ ماذا دار من حديث؟
_ فلتمان وإيمَييه انكبَّا على تدوين الملاحظات. أمَّا وليد ومروان فكانا يُعلِّقان على خطاب السيِّد.. تُقاطعهما بعضُ الاتصالات الهاتفيَّة من أعضاء حركة "عزيزة أولاً" يُعرِبُون عن خوفهم من أن يُؤخَذوا بشذُوذهم- ومروان يُهدِّئ من رَوعهم وينهاهُم عن التفكير في مُغادرة الشارع اللبنانيِّ.
صحتُ بعزيزة مُتشفِّياً:
_ فليرحلوا. وهل من حياة شراكةٍ طبيعيَّةٍ مع أولئك الشاذِّين؟.. وبماذا علَّق الرجُلان؟
_ اتَّفق جنبلاط ومروان على أنَّه من العبثيِّ تسمية آلاف الضحايا من النِّسوة المُنتهَكات في الشارع اللبنانيِّ سلامةً للشرف من الأذى، خاصةً أنه لم يبقَ على امرأةٍ لبنانيَّةٍ فستانٌ غير ممزَّقٍ أو مُفتَّق!
ضربتُها بكفِّي على إليتها اللدنة وأنا أقول مُعانداً:
_ بل سَلِمَ من الأذى رُغم أنوف مَن يرمون المُحصَنات..
فاستدركت عزيزة قائلةً:
_ لكنَّهما عادا فأقَرَّا بأنَّه من المستحيل مُعاكسة الانطباع العام بنجاح الستَّارين في الاحتفاظ بالمُعيَّن.
فقلتُ بارتياحٍ مُلمِّحاً لانقلاب العجيزة الفاشل:
_ سيعود المُعيَّن إلى سابق شعبيَّته بين اللبنانيِّين.
فقالت عزيزة مُتجاهلةً تلميحي:
_ رأى جنبلاط أنَّ خطاب السيِّد نذيرٌ بانقلاب اللبنانيِّين عنِّي إذ يرونه مُسلِّماً لشرفهم من الأذى وليس الذي استدرجَ الزعرانَ لانتهاك نسائهم.
_ وحمادة ماذا قال؟
_ حبيبي مروانُ كان قلقاً من تهديداتٍ استشفَّها من خطاب السيِّد حين لمَّح إلى رائحةٍ خبيثةٍ انبعثت من شقَّةٍ ما في الشارع اللبنانيِّ.. راجياً إيَّاي- وكنتُ أُقيم معه في شقَّته منذ مدَّة- أن أسُدَّ إستي حتى نعرف على أيِّ خازُوقٍ سنقعُد!
ضحكتُ طويلاً في تشَفٍّ. ثم سألتُها بفضول:
_ وما تلك الرائحة الخبيثة؟
فقالت عزيزة تُهوِّن الأمر:
_ شيءٌ من قبيل أنَّ خطف المُعيَّن من السِّرداب الإسرائيليِّ كان حُجَّةً تذرَّع بها الزعران بالتآمر مع حركة عزيزة أولاً لتطبيق سينَريُوه كان مُعدَّاً سلفاً قبل الحادثة بكثير للتخلُّص من الستَّارين والفضَّاحين معاً!
_ يا للفظاعة!
_ ثم قال لي وهو يمسح بكفِّه على إليتيَّ مُعزِّياً- يُرامق فلتمان وإيمَييه: يا للمُفارقة أن تُلام حركة عزيزة أوَّلاً على أفعال الزعران فيما عزيزة حبيبتي هي الخاسرة الكُبرى! فأجابه وليدٌ مُنتقداً الزعران: كان الإسرائيليُّون مُنغمِسينَ في شهواتهم عندما ظنُّوا أنَّهم بفرضهم المُعاناة من قُبُلٍ على اللبنانيَّات جميعاً سيكرهنَ المُعيَّن- علَّةَ بلواهُنَّ- وينقلِبنَ عليه عارضاتٍ أدبارهُنَّ.. ألم يتعلَّموا من تجربتهم مع محمود عبَّاس؟ ها هم قد جعلوا السنيورة مثله! فتوجَّه مروان إلى فلتمان بالقول: أعطُوا نساءنا مالاً فيعشقنَكُم دون الستَّارين. فإنَّهُنَّ عاهراتٌ بالفطرة، يتذكَّرنَ مَن يُعطيهنَّ المال، لا مَن يستُرُهنَّ! فأجابه الرجُل- وهو يخُطُّ بقلمه في الورقة بيده- بأنَّه قد سجَّل الطلب! إذ ذاك همَّ وليدٌ بالمُغادرة كئيباً وهو يقول:
_ سأستمرُّ على رغبتي في عزيزة حتَّى لو لم يُوافقني في هواها أحد.. (ثم مُحذِّراً).. المُعيَّن لدى الستَّارين الآن. وإذا ما عاد إلى حركة الفضَّاحين فضحُوا به وقاحاتنا جميعاً ولم يبقَ لنا خبزٌ في الشارع اللبنانيِّ. وخيرٌ لنا أن نرحل.. (ثم وهو يهُمُّ بالخروج من الباب الخلفيِّ سأل فِلِتمان في قُنوط).. هل وافق مُدير النادي الأمريكيِّ على انتسابي مع إعفائي من بطاقة العُضويَّة؟ لكنَّه لم ينتظر الجواب. وغاب في الدِّهليز شبه المُظلم. وإذا بي أصيح بمروان: حبيبي أدركني! فأقبل عليَّ في جزَعٍ يُسائلُني عمَّا بي. فقلتُ له: مغصٌ في باطني! فأشارَ إيمَييه إلى مائدة العشاء قائلاً في تخمين: لعلَّه سُوءُ الهضم! فما كان من مروان إلا أن سارع إلى التلفون يطلبُ طبيبَ الجهاز الهضميِّ..
فقلتُ لعزيزة مُتهكِّماً:
_ إنَّها حالةٌ نفسيَّة. ساءكِ يا خبيثةُ أن يعود المُعيَّن زعيماً وكنتِ تطمحين للحُلول محلَّه في هوى اللبنانيِّين.
فصاحت عزيزة حانقةً:
_ قد سامحني الزعيمُ. فماذا تريد أنت؟.. (ثم مُحذِّرةً وهي تبتعد بإستها عنِّي على حافَّة المغطس).. لن أُخبرك شيئاً إذا شمتَ بي.
فسألتُها مُتجاوزاً حُنقَها:
_ وصل طبيبُ الجهاز الهضميِّ. فماذا بعد؟
فقالت عزيزة مُنفِّسةً عن باطنها- ومثلُها لا يستطيع إلا أن يُنفِّس:
_ وصل الطبيبُ لاهثاً يجهدُ في التقاط أنفاسه. فبادره مروان مُعاتباً وهو يُغلق البابَ وراءه:
_ تأخَّرتَ يا غطَّاس!
فقال غطَّاس خوري مُعتذراً وهو يضع شنطته الطبيَّة على الطاولة بجانب سريري: 
_ يا للعجقة في الطريق إليك!
فسأله فلتمان- وكان يكتبُ شيئاً في ورقةٍ بيده:
_ ماذا رأيت؟
جعل غطَّاس يلبسُ في كفِّه قُفَّازاً مطَّاطيَّاً يتهيَّأ لمُعاينتي وهو يقول بدهشة:
_ رأيتُ رايات الستَّارين الصفراء ورايات الفضَّاحين الحمراء يُلوِّح بها العائدون إلى الجنوب من نوافذ الباصات..

·    جميل.. يا جميل!
كانت هذه الحلقة22. تليها الحلقة23: حول طاولة القصِّ والتَّفصيل في بعبدا- محمَّد رعد: المرأة اللبنانيَّة اختبَرت فاعليَّةَ الشادور في صَدِّ الزعران الإسرائيليِّين عنها إبَّانَ انتهاك تمُّوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق