الجمعة، 29 يوليو 2011

الحلقة20: سعد الحريري في مهرجان الترويج للَّنجُريه: لأ للشادور

·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا تريدين؟ ثيابك؟
·    لأ!
لأ للشادور، لأ للكبت، لأ للقهر، لأ للوصاية على الأذواق، لأ لغلَبة الشادُور على أزيائنا،.. لوحاتٌ إعلانيَّة حمراء زرعتها شركةُ ساتشي وساتشي الإعلانيَّة على جانبَي الشارع اللبنانيِّ، في حملةٍ ترويجيَّةٍ فاحشةٍ للنجُريه النسائيَّة، إثرَ الخسارة الفادحة التي مُنِيَت بها جمعيَّةُ الباعة الجوَّالين- خسارةٌ أرجعَها رئيسُ الجمعيَّة الشيخ سعد الدين الحريريُّ.. للشادور!
في تفسير تلك الخسارة لم يكُن أفصح من مُصمِّم الأزياء الراقية سمير جعجع في لقائه بطلاب قسم الأزياء وطالباته في جامعة اللويزة. إذ قال على الشاشة الميميَّة- وهو يبسط يدَيه مُتعجِّباً- وراءه على الجدار شعارُ داره للأزياء الراقية، الثوب الأسود مقصُوصاً بالطُّول والعرض:
_ اللبنانيَّاتُ أقبلنَ على الشادور، لاسيَّما بعدَ ما ادَّعَاه الستَّارون من سلامة في انتهاك تمُّوز- لن نختبئ وراء إصبعنا!.. (التقطت الكاميرا طالبةً في الصفِّ الخلفيِّ إلى اليمين مُرتديةً شادُوراً ترفعُ إصبعَها وتتململُ كأنَّما هي تختبئ وراءه والطلابُ من حولها يحدِجُونها بنظراتٍ قاسية).. منهُنَّ التي ارتدته في كلِّ خَرجةٍ لها من البيت.. (تحوَّلت الكاميرا إلى الطالبات اللواتي جعلنَ يُرامقنَ الطلابَ وهُنَّ مُمسِكاتٌ بأناملهنَّ مُقدَّمَ قُمصانهنَّ أي: لسنا مِمَّن يفعلنَ ذلك).. ومنهُنَّ التي اقتنته في خزانة ملابسها ولم تلبسه إلا في زياراتها البعيدة.. (أغضت كلُّ طالبةٍ طَرفَها مُتشاغلةً بتفقُّد أظافرها كأنَّما ليست هي المعنيَّة بالحديث).. كان من جرَّاء ذلك أن أحجمت المرأة اللبنانيَّة عن شراء اللنجُريه. تقول في نفسها: لِمَ ألبسُها تحتَ الشادور؟ مَن سيرى تخريمةَ السُّتيانة أو دكَّة الكيلوت المشغولة؟ هكذا كسدَ سوقُ الباعة الجوَّالين. وحُقَّ لسعد الدين الحريريِّ أن يزعل.. (ثم قال ضاحكاً).. ويأتي بعد ذلك مَن ينصحُه بتقبُّل الخسارة!
تضاحك الطلاب يُجارون جعجعاً في دُعابته. فانتظر حتَّى سكتوا كي يختمَ خطابه كعادته بقَرضِ الشعر:

إذا النِّسوةُ يوماً أرَدْنَ القصيرَ  فلا بُدَّ للمِقصِّ أن يَختَصِر
ولا بُدَّ للثَّوب أن يَستشِفَّ  ولا بُدَّ للزَّافِ أن ينحسِر
ومَن تتهيَّبْ نزعَ الشادُور تعِشْ أبدَ الدَّهرِ في عصر الحجَر

صفَّق له الطلابُ وهو يُغادر المنبر. فلوَّح لهم بيده مُتبسِّماً. ثم إذا به يُشير بسبَّابته إلى تلك الطالبة اللابسة شادوراً تختبئ وراء إصبعها مُنادياً في رقَّة:
_ لا تخجلي يا نائلة معوَّض.. أفهم اضطراركِ إلى ارتداء الشادور!
وكان الحشدُ النسائيُّ الكبير على شاشة المُستقبل تُقدِّمُه مباشرةً من ساحة الحريَّة سحَر الخطيب، الصحافيَّة التي أعلنت أنَّها تركت الصحافة كي تعمل في التَّرويج للمُوضة والفتنة، تقول- بإلقاءٍ فخمٍ وفصاحةٍٍ نادرةٍ- في المُفاضلة بين الكيلوت الخيطيِّ والشادُور:
_ في منافسة الشادُور.. الكيلوتُ الخيطيُّ أقوى لِباس!
له الجمالُ والدَّلالُ والإثارة.
وللشادُور البشاعةُ والتجهُّمُ والكآبة.
للكيلوت الخيطيِّ الألوانُ الصارخةُ بحُبِّ الحياة.
وللشادُور لونٌ واحدٌ هو لونُ الحِداد.
فاختاري أيَّتُها المرأة اللبنانيَّة بين زِيِّ الحياة وزِيِّ الموت.
في الكيلوت الخيطيِّ تصيرينَ سيِّدةً على الرجال، حُرَّةً بحياتك، مُستقلَّةً في خياراتك.
وبالشادُور تكونينَ أَمَةً للرجُل، أسيرةَ تزمُّته، سجينةَ حِرصهِ المرَضيِّ على شَرفه.
في الكيلوت الخيطيِّ تخطُرينَ مزهُوَّةً بأنُوثتك.
وبالشادُور تُحبَسينَ رهينةً للخوف من الزعران.

وتطوف الكاميرا فوق النِّسوة المُحتشِدات اللابسات أشدَّ قطع اللنجُريه إثارةً.. ثم يترامى من ناحية بيت أياس صُراخُ نسوةٍ مصعُوقاتٍ بمُفاجأةٍ عظيمة. وتلتفتُ الكاميرا.. ثم تصيح عريفةُ الاحتفال سَحر الخطيب- لا تتمالك نفسَها من الفرح:
_ إليكُنَّ رئيسَ جمعيَّة الباعة الجوَّالين.. الشيخ سعد الدين الحريري!

وقف الشابُّ على المنصَّة في سُترتهِ الزرقاء- على كثَبٍ من ضريح والده الشهيد رفيقٍ الحريريِّ الذي كان أرسَى مع السيِّد حسن نصرالله المُنافسة الشَّريفة: أن يترُكَ الحريريُّ للسيِّد صَدَّ الزعران بالشادُور، ويترُكَ السيِّدُ للحريريِّ جذبَ السيَّاح بالملابس العصريَّة. وكانت تُزيِّن الجدارَ الحجريَّ وراء سعدٍ صُورٌ كبيرةٌ لمُوديلاتٍ يعرِضنَ أجمل قطع اللنجُريه. وقف مُتبسِّماً عن لحيته السعوديَّة الجميلة، رافعاً يدَيه الاثنتين يُحيِّي زبوناتِه وهُنَّ يُنشِدنَ له يُواسينَه:
 الشُّغُل ماشي ولا يهمَّك!
إلا أنَّ التاجرَ الكبيرَ سرعانَ ما عبسَ قائلاً بلهجته الرَّتيبة:
_ لأ مش ماشي الشُّغُل!.. مع الشادور مش ماشي الشُّغُل!
تأثَّرت النسوةُ في الساحة لاعتراف تاجرهنَّ المُفضَّل بتعطُّل شُغله- وقد أظهرت الكاميرا فتاةً في سُتيانةٍ زرقاء منفوخة طافحة العينين بالدمع، وأخرى تُمزِّق شلحتها حُزناً..
ويبدو أنَّ الشابَّ الخاسر استفزَّه تعاطُفُ زبوناته معه. فعَلَت نبرتُه- من غير أن تُزايلَها الرتابة- قائلاً يُهدِّد مُنافسَه التجاريّ:
_ مُستحيل أن يبقى تاجرُ الشادورات الأولَ في السوق عشرين سنة ثم يُعطينا دروساً في تقبُّل الخسارة وهو كلَّما نشرنا كُولوناً على حبل غسيل نشرَ هو الشادورات في الشوارع وعلى الأسطُح..
طافت الكاميرا بالنِّسوة في كولُوناتهنَّ المختلفة الألوان والتَّخريمات..
_ مستحيل أن يبقى الشادور زيَّاً رائجاً في الشارع اللبنانيِّ يُشوِّه وجهَنا الحضاريَّ ويُطفِّش السيَّاح..
انحرفت الكاميرا إلى زقاقٍ جانبيٍّ يعُجُّ بنساءٍ مُتشَودِراتٍ يُطارِدنَ بضعةَ سيَّاحٍ خليجيِّين في عُقُلهنَّ والدشاديش..

_ يا زبُوناتي.. ألبسُوكُنَّ الشادُورات في تمُّوز ليستُروكُنُنَّ.. ليستُروكُنَّ عن عيون الزعران- كما ادَّعَوا. فإذا بهم اليومَ يفرِضُونه عليكنَّ لتحويل الشارع اللبنانيِّ سُوقاً للمشاغل الإيرانيَّة.
دارت الكاميرا على بسطاتٍ عن جانبَي شارع البربير تعرض الشادُورات..
_ ينتقدون شعارنا: "النسوان يُرِدنَ خلعَ الشادور". ويُزايدون علينا فيقولون: "والزعران أيضاً يريدون خلعَ الشادور".. أقول لهم: نحن نريد نزعَ الشادور الذي بات يُلبَس في الداخل!..
تدخل الكاميرا البيوتَ لتنقُل إلينا نسوةً قاعداتٍ مُتشَودِرات..
_ أيَّتُها السيِّدات تصوَّرنَ أنفسَكُنَّ مُتلفِّفاتٍ بالشادورات داخل البيوت، بالإضافة إلى الشارع والشاطئ والمقهى والنادي ومقرِّ العمل..
التقطت الكاميرا بضعَ نساءٍ في الحشد أُغمِيَ عليهنَّ بين أذرُع رفيقاتهنَّ من شدَّة ما تصوَّرنَ ذلك..
_ أمرٌ يسُدُّ النفس ويُبغِّض إلينا الحياة!
وعادت الكاميرا إلى الشيخ سعد الذي بدا كأنَّما يستعدُّ لأمرٍ خطير. يقول:
_ للشادور نقول لأ.. (ومدَّ الرجُل يدَيه إلى جناحَي سُترته وخلعها كأنَّما هي شادورٌ يخلعُه في حركةٍ لها ما لها من تأثيرٍ في النِّسوة المُشاهدات في بيوتهنَّ من حيث حملُهنَّ على مُحاكاة المثال- حيلةٌ نفسيَّةٌ بشَّرَ بها علماءُ النفس الأمريكيُّون)..
أهاجت هذه الحركةُ النسوة الحاضرات في الساحة- كاميرا المُستقبل تطيرُ فوقهُنَّ، وسحر الخطيب تُقدِّر عددهُنَّ بأكثر من مليون.. لكنَّ سعداً دعاهُنَّ إلى الهدوء يُريد أن يُضبف شيئاً فيما بدا:
_ إنِّي عاتبٌ على أخَواتنا الشيعيَّات اللواتي يُفضِّلنَ الشادُور على الدارج من الألبسة النِّسويَّة.. عاتبٌ عليهنَّ إذ يَنعتنَ أخَواتهنَّ البيروتيَّات والعكَّاريَّات والبقاعيَّات بالمُتزعرِنات لأنَّهُنَّ اخترنَ الظَّنْطَرة.. (صاحت النسوة مُتظنطِراتٍ. فرفع سعدٌ صوته فوق صَخَبهنَّ قائلاً).. إنَّ حملتنا على الشادور لا تستهدف الشيعيَّات.. لكن.. (وسكت بُرهةً تشويقيَّة ثم هتف).. ما نريد لباساً في شارعنا إلا اللباسَ اللبنانيَّ!
وزَعَقت عريفةُ الحفل سحر الخطيب بمُكبِّرات الصوت:
_ ردِّدنَ معي يا نسوان: ما نُريد لباساً..
على شاشة الجديد كانت رجاء، الفتاة العكَّاريَّة، تقول بحُرقة:
_ إنَّما يريدوننا أعداداً في الساحات والحافلات، ومُوديلاتٍ في الحفلات!
فسألها مُراسل الجديد حسين خريس- المذياعُ في يده:
_ ألا يلتفتون إليكُنَّ في غير المواسم؟
فقالت رجاء مُنفعلةً: 
_ لا وحياتك يا أخي. يتركُوننا طوالَ العام نُفصِّل ثيابنا التحتيَّة من الخيش والكتَّان حتَّى إذا أرادوا القيام بحملةٍ ترويجيَّة جاؤونا ببعض الشلحات والسُّتيانات الإفرنسيَّة والأمريكيَّة يدعُوننا إلى ارتدائها مُعتذرين عن إهمالنا.. (أشارت رجاء للكاميرا أن تُصوِّرَ التَّفريعةَ الزرقاء التي ترتديها. فقال لها خريس وعيناه تبرُقانِ إعجاباً:
_ يا لها من تفريعةٍ جميلة!
فما كان من رجاء إلا أن مدَّت يدَيها إلى طرف التَّفريعة وخلعتها في نرفزة. ثم ألقتها بالأرض وهي تصيح:
_ لا أريد منهم إحساناً. يسرقون منَّا الإبرة والخيط ثم يمنُّون علينا بالملابس التحتيَّة البالية عشيَّةَ استحقاقاتهم..
قالت رجاء ذلك وهي تمُدُّ يديها وراء ظهرِها إلى بِكْلة السُّتيانة..

·    جميل.. يا جميل!
كانت هذه الحلقة20. تليها الحلقة21: الإغراء الظنيُّ والفتنة الجنسيَّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق