الاثنين، 13 يونيو 2011

الحلقة15: فينُغراد يعترف بفشل زعرانه في انتهاك شرفنا. لكن السنيورة يُصرّ: انتهكوه ثلاثاً

·    جميل.. يا جميل!
المرأة تُناديني من الحمَّام. سألتُها مُتضايقاً:
_ ماذا؟
·    أعترف لك بقلَّة ذوقي.
وفينُغراد- الأزعر العجوز الذي ينحني السِّردابُ الإسرائيليُّ كلُّه لتاريخه الفاجر- اعترفَ صراحةً بفشل الزعران في استرداد المُعيَّن في انتهاك تمُّوز الماضي، مُوبِّخاً أُلمرت وبيرتس وحالُتس على استرجالهم الفارغ، ومُوصياً بقطع شبكة الاتِّصالات السِّلكيَّة الخاصَّة بالستَّارين قبل أيَّة مُحاولة بحث.

أمَّا اعترافُه بفشل زُعرانه فقد تناقلته وسائلُ الإعلام كافَّة. واستقبله كلُّ الأوادم في العالم بالتَّصديق، والمحلِّلون في التلفاز بالتعليل، والرسَّامون في الصحف بالسُّخرية. منهم الرسَّام الشهير إستفروه جبرا في صحيفة صدى البلد الذي صوَّر إيهُود ألمرت- ذقنُه نابتةٌ من إهمال، عيناه مُتشقِّقتان من سُهاد، جسدُه ناحلٌ من حرمان، حافي القدمين، يركض- مادَّاً يديه الاثنتين- خلفَ بنتِ البلد، عليها شادورٌ أسود، بَدَت فيه- بتفنُّنٍ من إستفروه رائع- مُثيرةً أيَّما إثارة وكبيرُ الزعران يقول لها مُتوسِّلاً:
_ اسمحي لي بنظرةٍ إليه.. نظرةٍ واحدة أبُوس رِجلك!
فتُجيبُه البنتُ عابسةً تدفعُه بيدها في صدٍّ عنيف:
_ ستحفَى ورائي.. ولن تظفَرَ بنظرة!
ضحكتُ حتَّى كدتُ أنقلب عن كُرسيِّ المرحاض. ثم ناديتُ رجاء بإلحاح:
_ رجاء.. يا رجاء. قُومي.
فتحت رجاء عينيها في المغطس. ثم جلست تتمطَّى وتقول بصوتٍ ناعس:
_ كنتُ أحلم أنِّي أُغتصَب!
أدرتُ نحوَها شاشةَ الحاسُوب المحمولِ على الرفِّ وأنا أقول باشَّاً:
_ انظُري..
تأمَّلتْ رجاءُ الرَّسمَ الساخر باسمةً. ثم سألتني وهي تتثاءب:
_ هل زُرتَ النُّصُبَ الذي أقامه اللبَّاسُون عند بوَّابة فاطمة قُبالة الزعران؟
فقُلتُ لها وأنا أتهيَّأ لضحكة:
_ لا. لم أزُره بعد. لكنِّي سمعتُ أنَّه أحرجَ عُتاة الزعران في السِّرداب الإسرائيليِّ حتَّى أسقطَ منهم الرؤوس. فما ذاك النُّصُب؟
فقالت رجاء تصفُه:
_ طلب وئام وهَّاب من الستَّارين درَّاجة مِركافة كانوا غنِمُوها من الزعران. فأركبَها الشبابُ من تيَّار التَّلبيس اللبنانيِّ دُمًى على هيئات إيهُود أُلمرت ودان حالُتس وعامير بيرتس وقد ألبسُوها لنجُريه نسويَّةً مُثيرة ولوَّنُوا لها الشِّفاه وكحَّلوا العيون..
واقتحم صلاحٌ علينا الحمَّامَ لاهثاً يصيح وهو يدفع إلى عينيَّ بجريدة المُستقبل:
_ انظر هذه الوقاحة!
تناولتُ الجريدة من يده وقرأتُ في الصفحة الأولى:
في حفل زفافٍ جماعيٍّ بصيدا
السَّنيورة يقول لمايةٍ واثنينِ وعشرينَ عريساً:
إنِّي مُصِرٌّ على أنَّ الإسرائيليِّين استردُّوا المُعيَّن- استرَدُّوه استرَدُّوه استرَدُّوه
تمتمتُ ذاهلاً لإصرار الرجل:
_ ولكنَّ فينُغراد نفسه اعترف..
هتفت رجاء في عَجَب:
_ هذا تفسيرُ حلمي!
سألني صلاحٌ وهو يقتعد كُرسيَّ التَّشطيف مُتجاهلاً رجاء وحُلمَها:
_ كيف نرُدُّ عليه؟ إنَّ اللبنانيَّ الشريف في الشارع يتساءل: مَن يلوم المُعيَّنَ على خُروجه من لِباسه أمامَ هذه الوقاحة!
قلتُ مُتذكِّراً:
_ صدق الطبيبُ أسامة سعد في تشخيصه..
سألني صلاحٌ في غير حماسٍ:
_ وما حكاية هذا التَّشخيص؟
تراجعتُ بظهري إلى سيفُون كُرسيِّ المِرحاض ورُحتُ أحكي:
_ زار خالد صاغيَّة، من أسرة صحيفة الأخبار، الطبيبَ أسامة سعد في صيدا بمُستوصف معروف سعد الشَّعبيِّ. دخل عليه عيادته المُكتظَّة بالصيداويِّين- حوالي التسعة آلاف- من مرضى وأصحاب حاجاتٍ ومُحبِّين.. وقف له الطبيبُ وراء مكتبهِ بالبُرنُس الأبيض- السمَّاعةُ الطبيَّة حول عُنُقه- ورحَّب به ودعاه إلى الجلوس أمام المكتب. ثم جلس وهو يسأله باهتمام:
_ خير إن شاء الله؟
ناوله خالدٌ صورةً كبيرةً وهو يقول في قلق:
_ هذه صورةُ بالأشعَّة التقطها مروان طحطح، مُصوِّر جريدتنا، لفؤادٍ السَّنيورة وهو يُقبِّل كُندوليزة ريس عند باب السراي. فانظُر ماذا ترى.
تناول الطبيبُ أبو معروف الصورةَ وهو يضع نظَّارته على عينيه. ورفعها إلى ضوءٍ كهربائيٍّ أبيضَ بالجدار وجعل ينظُر فيها مُتفحِّصاً. ثم قال شارحاً:
_ هذه الصورة تُظهر عُروقَ السَّنيورة، السَّطحيَّ منها والعميق.. (ثم قرَّبَ عينيه بغتةً كأنَّما عثَرَ على شيءٍ ما وتمتم يُحدِّث نفسه).. كما شخَّصتُ لمَّا لمحتُه في سوق صيدا بعطلة نهاية الأسبوع وهو يأكُل الفول المُدمَّس ويقول للصيداويِّين كم يُحبُّهم ويُحبُّ هذه الأكلة الشعبيَّة.. (ثم التفت الطبيب، الشهير بحُسن تشخيصه للحالات المرَضيَّة، إلى الصجافيِّ المُنتظر على نارٍ، تروح به الظُّنونُ وتجيء- كما أخبرني- وقال له مُشيراً إلى نُقطةٍ بالصُّورة الشُّعاعيَّة).. أترى هذا الانقطاع؟
سأله خالدٌ وهو يمُدُّ بصره إلى الصورة لا يكاد يفقه شيئاً وقد تناهَى به القلق:
_ ما هذا أيُّها الطبيب؟ صارِحْني بالله عليك..
ألقى أسامة سعد بالصُّورة على مكتبه. وخلع نظَّارته وهو يتنهَّد. ثم نظر إلى خالدٍ وقال بالعاميَّة الصيداويَّة:
_ السَّنيورة يُعاني انقطاعاً في شِرش الحياء!
جعلتُ أضحك لا أتمالكُ نفسي. وضحكت رجاء وهي تنهضُ في المغطس ثم تقتعد حافَّته.. فأضفتُ أقول إذ سكَتَ عنِّي الضَّحك:
_ هذا وقد طلب الطبيبُ أسامة للسَّنيورة فحصاً للدم. لكنَّ الأخيرَ أبى رافضاً تشخيصَ الطبيب، صائحاً بالمُمرِّض جان عزيز الذي زاره في مكتبه ببناية السادات لأخذ عيِّنةٍ من دمه: "لا أحتاجُ إلى فحص دمٍ حتَّى أُثبتَ لكم أنَّ بي شيئاً من حياء"!
إلا أنَّ صلاحاً عاد يسألني في نَفادِ صبر:
_ قُل كيف نرُدُّ على إصراره؟
أقبلتُ على الحاسُوب في جِدٍّ، فشغَّلتُ فيه برنامج الإخراج، وقلتُ لصلاح الذي تزحزَحَ على كُرسيِّه مُقترباً من الشاشة:
_ سأطبعُ على إصراره المُعيَّنَ الأحمر!
ونادتنا رجاء في رنَّة إغراء:
_ يا شباب..
فلم نُعرها التفاتاً. وقال صلاح مُتحسِّراً:
_ لو أنَّ المُعيَّن حاضر!
تمتمتُ وأنا أبحثُ في ذاكرة الحاسوب عن أكبر صورةٍ للمُعيَّن الأحمر:
_ لا بدَّ أنَّه جدَّد لزواجه في الضاحية احتفالاً بالسلامة!
فقال صلاح بامتعاض:
_ الوقاحة تستفحل والزعيم يتمتَّع!
وانبعثَ من تحتُ صوتٌ خافتٌ مألوفٌ ارتعشَتْ له قلوبُنا:
_ تُقرِّرانِ من دُوني؟
تلاقت أبصارُنا عند المُعيَّن بين مُرافقتَيه فخذَي رجاء غاضبة وراضية!
كان شِفراه الصغيرانِ ناتئين- استياءً- من خلال شعره الأسود الذي أهمله ولا شكَّ في الأيَّام الثلاثة والثلاثين. تبادلنا أنا وصلاحٌ نظراتِ الحرج ثم نظرنا في وجه رجاء. فقالت ببساطةٍ تُجيب عن تساؤلنا الصامت:
_ حاولتُ أن أقول لكما إنَّه عاد أمسِ من الضاحية إثرَ انقضاء مُدَّة زواجهِ المُنقطع هناك!
سارعتُ فأخليتُ للزعيم كُرسيَّ المرحاض. فانضمَّت عليه مُرافقتاه الطويلتان، وانتقلتا به إلى الكُرسيِّ السِّيراميكيِّ الأبيض. فأجلستاهُ فوق الثُّغرة حتَّى إذا اطمأنَّتا إلى أمنه وراحتهِ انفرجتا عنه ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال..
انتظر الزعيمُ حتَّى قعد صلاح على حافَّة المغطس، وجلستُ أنا على كُرسيِّ التَّشطيف، ثم قال بصوت الباذل جهداً:
_ إذاً.. (التفتنا إليه لكنْ سرعانَ ما أشَحنا عنه بوجهَينا تأدُّباً إذ لمحناه يتبوَّل).. فؤادٌ السَّنيورة يُصِرُّ على أنَّ الزعرانَ استردُّوني..
أجبنا معاً ونحن نتبادل النظر في شيءٍ من حَرَج:
_ نعم!
فسألنا:
_ هل تُدركان معنى إصراره هذا؟
فقلتُ مُحلِّلاً وأنا أحدِّق ببلاط الأرض البُرسُلانيِّ:
_ يقصد السنيورة أن يقول لأولئك البسطاء من الراغبين في الزواج- وقد أقنعهم بفُقدان المُعيَّن: "ليس لكم إلا عزيزة"!
فأضاف صلاح يقول ساخراً:
_ والمساكين يُصفِّقون له من غير أن يخطرَ لأحدهم عُقمُ ذلك الزواج- كما أكَّد لهم مراراً الطبيب أسامة سعد!
فقال المعين باستهانة:
_ دعكما من عزيزة. فإنَّها لا تُنافسُني. مهما بلغت شعبيَّتُها الظاهريَّة لدى اللبنانيِّين فإنَّهم في أعماقهم طبيعيُّون. وسيعودون لطلب ودِّي عمَّا قريب.. (ثم استدرك وقد تغيَّرت نبرتُه).. أمَّا السَّنيورة فإنَّه يقصد أنَّ الإسرائيليِّين انتهكُوني!
نظرنا إلى الزعيم بأعيُنٍ مُقطِّبة. فرأينا قطرةً من بولٍ تتألَّق في طرف شعرةٍ وهي تتلكَّأ في السقوط.. ثم واصل يقول:
_ انتهكوني وأنا على ذِمَّة رجُلٍ شريف..
صاح صلاح غاضباً:
_ لا اعتلى منبراً مَن يتَّهمك في شرفك!
لكنَّ الزعيم سألنا مُذكِّراً:
_ وشعار حركتنا؟
وقفنا نهتف معاً:
_ الافتضاحَ للمُعيَّن في وجه الوقِح!
انفرجت أشفارُ الزعيم للهُتاف. ولكنَّه استدرك:
_ ..
·    سلامةُ شرف الستَّارينَ من الأذى كارثة!
كانت هذه الحلقة15. تليها الحلقة16: روائح خبيثةٌ تتسرَّب من مراحيض النادي الأمريكيِّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق