_ ماذا؟
· أتُصوِّرُني وأنا أستحمُّ؟
_ كفاكِ عبثاً. ماذا أُصوِّر؟ هيَّا اخرُجي من الحمَّام..
"في محلات الألبسة النسائيَّة واللنجُريه، في صالونات التَّزيين وعيادات التَّجميل، في المراحيض العمُوميَّة "للنساء" بالمقاهي والمطاعم والملاهي، في الشواطئ والمسابح ونوادي الرياضة.. تربَّصَ باللبنانيَّات زيادٌ الحمصيُّ ومحمود رافع وأديب العلم وشربل قزِّي وآخَرون- في أيديهم الكاميرات يلتقطون لهُنَّ الصُّورَ في شتَّى الأوضاع..
(تسكت المذيعة عبير الحلبي قليلاً كيما تجذب إلى شاشة الجديد العيون والأسماع، ثم تقول).. فرعُ المعلومات برئاسة وسام الحسن- الفرع الذي أنشأه زياد بارود من قبضايات فتفت الذين آنسَ فيهم ميلاً إلى البصبصَة- ارتابَ بأولئك المُصوِّرين، فاعتقل ما يزيد على الماية منهم. وما هي إلا ساعةٌ وبعضُ الساعة حتَّى انتشرت في مجالس النسوة تسريباتٌ، من التحقيق الأوَّليِّ، شَهقْنَ لها ذُعراً، وانكمشنَ على أنفُسهنَّ هالِعاتٍ يشدُدنَ بأيدٍ عصبيَّةٍ التنانيرَ فوقَ الرُّكَب!.. (وتهُزُّ عبير رأسَها وهي تُطبقُ شفتَيها مُؤكّدةً ظنَّ المشاهدينَ السيِّء)..
(تسكت المذيعة عبير الحلبي قليلاً كيما تجذب إلى شاشة الجديد العيون والأسماع، ثم تقول).. فرعُ المعلومات برئاسة وسام الحسن- الفرع الذي أنشأه زياد بارود من قبضايات فتفت الذين آنسَ فيهم ميلاً إلى البصبصَة- ارتابَ بأولئك المُصوِّرين، فاعتقل ما يزيد على الماية منهم. وما هي إلا ساعةٌ وبعضُ الساعة حتَّى انتشرت في مجالس النسوة تسريباتٌ، من التحقيق الأوَّليِّ، شَهقْنَ لها ذُعراً، وانكمشنَ على أنفُسهنَّ هالِعاتٍ يشدُدنَ بأيدٍ عصبيَّةٍ التنانيرَ فوقَ الرُّكَب!.. (وتهُزُّ عبير رأسَها وهي تُطبقُ شفتَيها مُؤكّدةً ظنَّ المشاهدينَ السيِّء)..
ثم يظهر مُراسل تلفاز الجديد حسين خريس مُستوقفاً أشرف ريفي، المُتحدِّثَ باسم فرع المعلومات، أمام أستُديُوهات مُكافحة التحرُّش الجنسيِّ في رأس بيروت.. يقول أشرف:
_ أقرَّ المُصوِّرون بالعمالة للسِّرداب الإسرائيليِّ!
يحني خريسٌ رأسه مُشجِّعاً الرجُل على الشَّرح. فيواصل المتحدِّث:
_ زوَّدهم الإسرائيليُّون بالكاميرات الرَّقميَّة المُتطوِّرة يُلاحقون بها نساءنا ينتهِزُون منهُنَّ انفضاحاً غيرَ مقصود..
يسأله خريس مُستوثقاً:
_ ماذا يُصوِّرون؟
يُحيبه أشرفُ بصراحة:
_ بيَّنت الصُّورُ التي سَحبناها من ذاكرة الكاميرات المُصادرة أنَّهم ركَّزوا على اللقَطات الحميمة.
أصرَّ خريسٌ متسائلاً:
_ علامَ بالضَّبط؟
هربَ الرجُل مُتفادياً من الحَرج..
لكنَّ المُصوِّر الأخطر هو ميم حاء الذي قبضَ عليه صلاح- بيده الكاميرا يُطلُّ بها من طاقة حمَّامنا وقد ارتقَى إليها على سُلَّمٍ عالٍ!
أسلمناه إلى فرع المعلومات من غير أن نُفشيَ اسمه حتَّى تثبُتَ إدانتُه- كما تمنَّى علينا زياد بارود. ولمَّا شاع الخبرُ تسابقت إليَّ بالحمَّام اتِّصالاتُ الصِّحافيِّين والإعلاميِّين والأصدقاء. لكنَّني لم أستجبْ إلا لاتِّصال بُثينة عُلَّيق- عرفتُها من رنَّة التلفون التي كنتُ نسختُها عن موسيقى برنامجها اليوميِّ على إذاعة النور "السياسة اليوم" الذي استضافتني فيه مراراً. سألتني بصوتها الرقيق المُترنِّم تعاطُفاً:
_ لعلَّ صدمتك كبيرة يا جميل؟
قلتُ مُدارياً:
_ لا يا بُثينة.. نحن في حركة الفضَّاحين لم تُفاجئنا هذه الزعرنةُ الجديدة، التي هي استكمالٌ للبحث عن المُعيَّن، البحث الذي بدأه زعرانُ إيهُود أُلمرت بمُحاولة الانتهاك الفاشلة في تمُّوز الماضي.
ثم شكرتُها وأطفأتُ التلفون. والتفتُّ إلى صلاح متسائلاً:
_ هل عرفتَ مَن وراء ذاك المُصوِّر؟
فقال صلاح في قلقٍ بادٍ:
_ اعترفَ بأنَّه من صبيان خليلٍ الحفَّار!
اتَّسعت عينا رجاء في المغطس وهي تُتمتم في ذهول:
_ لقد طلب منِّي ذاك المُصوِّر مرَّةً بأدبٍ بالغٍ أن أسمح له بدخول الحمَّام للتبوُّل..
فصحتُ بها وقد تحرَّكت غيرتي عليها:
_ لم تمنعيه.. لعلَّكِ أُعجبتِ به!
فانتهَرني صلاح صائحاً:
_ من أين لها أن تعرف أنَّه مُصوِّرٌ يعمل لحساب خليل؟
فسكتُّ وأنا أصرُّ على أسناني. ثم تساءل صلاح مُتحيِّراً:
_ كيف يستأجر خليلٌ مَن يُصوِّر له المُعيَّن وهو يُماشي السَّنيورةَ في اعتقاده بنجاح إيهُود أُلمرت في استرداده؟
فقلت مُهدِّئاً من انفعالي:
_ أعلنَ خليلٌ مُماشاته للسنيورة- نزولاً عند رغبته في إثارة الفتنة بالشارع اللبنانيِّ. لكنَّ المُعيَّن لا يخفَى على الحسِّ الغريزيِّ لواحدٍ مثله.
وتساءلت رجاء في إشفاق:
_ ماذا تُراه يحدث لو أنَّ المدعو ميماً التقطَ بالفعل صُورة المُعيَّن وأطلعَ عليها خليلاً الحفَّار أو نشرها باليوتُيوب مثلاً؟
فأجبتُها مُلوِّحاً بيدي كأنَّني أدفع شرَّاً:
_ ستشتعل إذ ذاك في كيلُوتات اللبنانيِّين فتنةٌ أيّ فتنة..
غيرَ أنَّ مُصمِّم الأزياء سمير جعجع هوَّنَ من خطورة التَّصوير في مُقابلةٍ على شاشة العربيَّة مع الإعلاميَّة جيزال خُوري. قال بصوته ذي البحَّة البريئة:
_ إنَّ دُعاة حَجْب النساء وتستيرهنَّ في الشارع اللبنانيِّ- وعلى رأسهم الستَّارون- يُخوِّفون اللبنانيَّاتِ بالمُصوِّرين. يُلقُون القبضَ على مُصوِّرٍ هنا ومُصوِّرٍ هناك ليقولوا لهنَّ.. (وهو يُشير بسبَّابته إلى لاشيء).. "انظُرنَ يا لبنانيَّات. المُصوِّرون حوالينا. إيَّاكُنَّ والتكشُّف!". هكذا يتَّخذون من التَّصوير الخفيِّ مُسوِّغاً لفرض الشادور، وغيره من الألبسة البالية الطِّراز، على نسائنا المفطُورات على حُبِّ الحياة!
تسأله جيزال وهي تستوي في جِلستها بقلق:
_ إلامَ يُخوِّفوننا؟
فيُجيبُها جعجع وهو يبسط كفَّه في قلَّة حيلة:
_ لا أعرف.. الجواب عند السيِّد حسن! لكنِّي أقول للبنانيَّات: لا تخفنَ! وما هَمَّ أن يلتقطَ أحدُهم صورةً لباطن فخذِكُنَّ أو أسفلِ البطن؟ لن أقول أكثرَ من ذلك أن تقومَ علينا القيامة..
يضحك سميرٌ وتُضاحكه جيزال ولمَّا يمَّحِ القلقُ تماماً من صفحة وجهها الجميل. ثم تسأله وهي تغمِز بإصبعيها راسمةً علامة المُزدوِجين:
_ ماذا تقول في اتِّهام المُصوِّرين "بالعمالة"- بين مُزدوجَين؟
فأجاب جعجع رافعاً حاجبيه:
_ المُصوِّر ليس بالضَّرورة أن يكون عميلاً للإسرائيليِّين يُزوِّدُهم بالصُّور الممنوعة.
_ فما هو إذاً؟
يُجيب جعجعٌ وهو يرسُم بيديه حركة التَّصوير بالكاميرا:
_ لماذا لا نقول إنَّه من هُواة التَّصوير الفوتُغرافيِّ، يجمع الصُّور الحميمة لمِزاجه الشَّخصيِّ يتصفَّحُها بالليل وحده!
فتقول جيزال وهي تتنهَّد في ارتياح:
_ وجهة نظر لا بأس بها.. (لكنَّها تُقطِّب بغتةً كأنَّما ذكرت أمراً، وتقول لضيف برنامجها).. لكنَّ أمين مخازن العباءات الوطنيَّة في بعبدا ميشال سليمان يقول إذ اطَّلعَ على بعض الصور الفاضحة التي عرضها عليه زياد بارود: "لو كان الأمرُ بيدي لأعدمتُ المُصوِّرين"!
يضحك جعجع ساخراً وهو يميل برأسه إلى جانبٍ. ثم يقول بصراحة:
_ الحقُّ أنَّني كنتُ أُكنُّ كلَّ احترامٍ لهذا الرجُل الذي توافقنا عليه في خيمة الدَّوجة، بشرط ألا ينحاز إلى فريقٍ من اللبنانيِّين دون آخَر..
أمَّا المُعيَّن، هدف العدَسات الإسرائيليَّة، فقد بادر إلى اتِّخاذ إجراءاتٍ أمنيَّةٍ خاصَّة- بالتَّنسيق مع رجاء حصراً. وكعادتي في كلِّ ليلةٍ حملتُ للزعيم آخرَ الأخبار.. (أذكر أنَّ الخبر كان عن باراك أوباما- المدير الجديد للنادي الأمريكيِّ الذي خلَعَ عنه الجاكتةَ وربطةَ العُنق إعلاناً عن التزامه بالإسطِرِبطيز فانتخبته المُتعرِّيات).. دخلتُ الحمَّام. وإذا بألمٍ يتفجَّر بين فخذيَّ!
انطويتُ على نفسي أتلوَّى.. ولمَّا رفعتُ عينيَّ الجاحظتين طالعتني فخذُ رجاء اليُمنى وهي تتحفَّزُ لتسديد ضربةٍ أخرى برُكبتها إلى وجهي! تراجعتُ مذعُوراً وأنا أصرخ برجاء:
_ ماذا تفعلين.. هل جُننتِ؟
فما كان منها إلا أن قلَبت شفتَها السُّفلى أي لا شأنَ لها بالأمر!
ساءني أن تتبرَّأ رجاء هكذا من فخذَيها- مُتنصِّلةً مِمَّا ترتكبانِ من اعتداء. لكنَّني لم أجد بُدَّاً من أن أعود إلى الفخذ اليُمنى أسألُها مُهدِّداً على عادة اللبنانيِّين:
_ ألا تعرفين مع مَن تحكين؟
وانثنت الفخذُ اليُسرى على اليُمنى كأنَّما تُنحِّيها جانباً. ثم خاطبتني قائلة في لُطف:
_ لا تؤاخذنا يا هذا. نحن مُرافقتا المُعيَّن الشَّخصيَّتان. اسمي راضية. وهذه شقيقتي غاضبة. وقد شدَّد علينا الزعيمُ ألا نُدخلَ عليه أحداً إلا بإذنه!
استعدتُ رباطة جأشي في مُواجهة الحارستين اللعينتين. فانتصبتُ في كبرياء وأنا أقول:
_ قُولا له جاء جميل.
منذ ذلك الحين والفخذان غاضبة وراضية تُلازمان الزعيمَ أنَّى ظهر. والحقُّ أنَّه ازداد فتنةً على فتنةٍ وهو بينهما- سواءٌ انضمَّتا عليه بالتفافهما وامتلائهما وطُولهما، أو انفرجتا عنه حتَّى يبين للعيون نُعومةُ باطنهما الفائقةُ في بياضٍ حليبيٍّ..
ولمَّا عرَفتا مكانتي لدى المُعيَّن صارتا تُدخلاني عليه من غير إذن؛ يكفي أن أُلامسَ جنبَيهما مُلاطفاً حتَّى تنفرِجا لي. غيرَ أنَّ الحارسة اليُمنى، غاضبة، تأبى- انسجاماً مع طبيعتها الحادَّة- إلا أن تتوعَّدني مُمازحة:
_ إن أردتَ بالزعيم سُوءاً سَحقتُ خُصيتيك!
وتستثقل الحارسةُ اليُسرى، راضية، مزاحَ شقيقتها. فتلتفُّ على خاصرتي وتجذبني في رِفْقٍ نحو المُعيَّن..
على أنَّنا لم نُقدِّر خُطورة المُصوِّر ميم حاء حقَّ قدرِها حتَّى دهم مُساعدُو القاضي الأجنبيِّ دنيال بلمار- خليفة ميلِس في التحقيق باغتيال رفيقٍ الحريريِّ- عيادةً نسائيَّة!
"دهموا عيادة الطبيبة النسائيَّة إيمان شَرارة في بئر حسن، وحاولوا أن يصادروا الملفَّات الحميمة التي تحتفظ بها الطبيبة"..
ذهِل صلاح لمَّا سمع بالخبر على شاشة المنار. وتساءل وهو يلتفتُ إليَّ بالحمَّام:
_ ماذا في تلك الملفَّات مِمَّا ينفع التَّحقيقَ في اغتيال الحريري؟
وتمتمت رجاء مُتوجِّسة:
_ لي ملفٌّ عند الدكتورة إيمان..
لم أكُن حتَّى اللحظة أفهم شيئاً. إلا أنَّ طَرْحَ المُعطَياتِ أمامي رَبَطَها في ذهني. فهتفتُ أُجيب صلاحاً:
_ سأشرح لك يا صلاح، فاسمع؛ قبل إلقائكَ القبضَ عليه نقل المُصوِّر ميم حاء، بحسب اعترافه، لمُشغِّله خليلٍ الحفَّار مواقيتَ دورة رجاء الشهريَّة، وبياناً بالأمراض النسائيَّة التي اعترتها، كتلك الحكَّة التي لازمتها ردَحاً من الزمن.. (مُلتفتاً إلى رجاء).. أتذكرين؟.. (هزَّت رجاء رأسَها بالإيجاب. فعُدتُ بوجهي إلى صلاح).. كما زوَّده باسم الغَسُول المُطهِّر الذي استعملته للعلاج، والحُقَن المهبليَّة التي وصفتها لها الطبيبة إيمان.
فتمتم صلاح مستسلماً لمنطقي:
_ وبعد؟
فقلتُ سعيداً باستنتاجي مُتناسياً خطورته:
_ مُعتمِداً على التَّسريبات التي عُرِفَ بها تحقيقُ ميلِس وبلمار- يستطيع خليلٌ أن يُقارن التَّشخيصَ والأدويةَ الموصُوفة في هذه الملفَّات بمعلوماته عن رجاء فيكتشف أنَّ رجاء هي أمُّ المُعيَّن تُخبِّئه بين فخذيها!
هتف صلاحٌ مُردِّداً ما يقوله اللبنانيُّون في الشارع عن التحقيق الأجنبيِّ:
_ إنَّه تحقيقٌ مقصودةٌ به الفتنة!
_ إنَّه تحقيقٌ مقصودةٌ به الفتنة!
ولفَتنا صوتُ وئام وهَّاب وصورتُه في برنامج "الدار دارك" يعترف بأنَّ زوجته زبونةٌ في تلك العيادة. وإذ سألته مقدِّمةُ البرنامج عُلا شرارة عن شعوره إزاء اطِّلاع المُحقِّقين الأجانب على خُصوصيَّات زوجته أخذته سَورةُ غضبٍ شأن كلِّ شريفٍ في الرجال. وصاح:
_ تقولين "محقِّقين"؟ إنَّ تحقيقاً كهذا يُساوي صرمايتي!
فيعلِّق صلاح مُتحسِّراً:
_ لو لم يغتالوا الحاجَّ عماد مُغنيَّة لأخرَجَهم من العيادة في أكفان. وأرسلهم إلى عاهراتهم بأورُبَّا..
· جميل.. يا جميل!
كانت هذه الحلقة14. تليها الحلقة15: فينُغراد يعترف بفشل زعرانه. لكنَّ السنيورة مُصرٌّ على أنَّهم استردُّوا المُعيَّن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق