الجمعة، 29 أبريل 2011

الحلقة12/ مُظاهرة الأثداء: من عُبِّنا إلى جَيْبِ السَّنيورة


·    جميل.. أنت تغنِّي!
هتفت المرأةُ من الحمَّام. فأجبتُها بشيءٍ من انزعاج:
_ نعم.
فسألتني:
·    هل أخذتَ النقودَ التي تركتُها لك في سُتيانتي على التَّسريحة؟
فقلتُ لها مُتهكِّماً:
_ انتزعتُها بالقوَّة!
·    قبضاي!
قبضاياتُ الشارعِ اللبنانيِّ بلغوا من الوقاحة- في تحصيل الإتاوات من الأهالي- أن يمُدُّوا أيديَهم إلى أعباب ربَّات البيوت!

إذا مشيتَ في الشارع- صباحَ أيِّ يوم- تناهَى إلى سمعكَ من إحدى البنايات صرخةُ امرأةٍ مقهُورةٍ، يتبعُها سباب:
_ تمُدُّ يدَك إلى عُبِّي يا فاقدَ الرجولة!
وينزل القبضايُ إلى الشارع لاهثاً، يُسوِّي الطربوشَ على رأسه- بيده قطعةٌ نقديَّةٌ معدنيَّةٌ من فئة الخمسَماية ليرة، ينظر إليها في ظَفَر، ثم يدُسُّها في جَيبِ دشداشته المُقلَّمة، ويمضي مُلوِّحاً بقضيبه الخيزُران وهو يُفتِّل شاربيه!
وتُطلُّ أمُّ طوني من نافذة غرفتها في قميص النوم الأبيض وتقول آسفةً:
_ كانت المسكينة تُخبِّئ تلك الخمسَماية ليرة لشراء حبَّة دواء لولدها!
وتتساءل أمُّ محمَّد في لومٍ إذ تُطلُّ من شُرفة بيتها في شلحةٍ زهريَّة:
_ كيف سمحتْ له أن يمدِّ يده إلى عُبِّها؟ 
وتقبِضُ أمُّ غسَّانٍ على ثديَيها في السُّتيانة الحمراء كأنَّما تحميهما وهي تصيح مُتحدِّيةً من فوق السطح:
_ أثخن شارب لا يستجرئ على تشليحي خمسَمايتي!
وتُهرول أنتَ إذ ذاك إلى بيتك مُوقناً أنَّه لن يمضي وقتٌ طويلٌ حتَّى تنتفضَ أثداءُ اللبنانيَّات على المُشلِّحينَ، مادِّي الأيدي إلى ثرواتها المخبُوءة- تنتظر رُبَّما شخصيَّةً تقود الحركة الاحتجاجيَّة..
وفي ضُحى يومٍ كنتُ في منزل والديَّ بزقاق البلاط لا أزال مُستلقياً في السَّرير ناعساً- أشاهدُ على تلفاز المُستقبل عرضاً جريئاً للسُّتيانات- عندما رنَّ تلفوني الخَلَويُّ.. إنَّه صلاح.. قال في انفعالٍ شديد:
_ القبضايات يُحاصرون ثديَي رجاء عند تقاطع بشارة الخُوري!
سألتُه في جزَع:
_ فأينَ هي رجاء؟
ولكنَّه كان قد قطع الاتِّصال. مددتُ يدي إلى آلة التحكُّم النائي على الطاولة الصغيرة بجانب السرير. فاستحضرتُ قناة الجديد.. ظَهَر وجهُ صلاحٍ الغاضب- في بثٍّ حيٍّ- وهو يصرُخ في تحدٍّ:
_ الرجل منكم ذو الشوارب يمُدُّ يدَه ويأخذها!
هممتُ بالنهُوض وعينايَ لا تُفارقان الشاشة. وإذا بالكاميرا تتحوَّل إلى ما وراء صلاحٍ كاشفةً عن ثديين مُتلاصِقَين.. حملقتُ فيهما مُتفحِّصاً حتَّى عثرتُ بينهما على قطعةٍ نقديَّةٍ معدنيَّةٍ من فئة الخمسَماية ليرة، وقد تقاربَ الثَّديانِ يحتضنانها بينهُما في حرصٍ شديد. وعادت الكاميرا إلى صلاحٍ الذي كان يخاطبُ العشراتِ من القبضايات ذوي الشَّوارب المفتولة، وكانُوا يمُدُّون- بكلِّ وقاحةٍ- إلى الثديين المُضرِبَين عن دفع الإتاوة قُضبانَ الخيزُران، يُحاولون أن يَنقُروا بها القطعةَ النقديَّة- لا يصُدُّهم عنها إلا بضعةٌ من شبابنا الفضَّاحين- المُتميِّزينَ ببُلوزات المُعيَّن الأحمر- وقد تراصَّوا كتفاً إلى كتفٍ عن جانبَي صلاحٍ الذي عاد يصرُخ بالقبضايات: 
_ أنتم بلا رجُولة. وخيرٌ لكم أن تحلقُوا شواربَكم!
وعادت كاميرا الجديد- بتقنيَّة التَّقريب- إلى رامي الأمين مراسل القناة حاملاً مذياعه مُرتبكاً، لا يعرف ماذا يقول:   
_ مشاهدينا..
وكأنَّ صلاحاً لمح المراسلَ وحاملَ الكاميرا- إذ سمعتُ صوته يصيح في الخلفيَّة مُستنجداً:
_ تعال بالكاميرا يا رامي.. (تتحوَّل إليه الكاميرا).. تعال أُعرِّفك بالبطلَين الخفيَّين اللذَينِ تأتمنُهما النساء في شرقنا العربيِّ على قُروشهنَّ الأخيرة.
شقَّ الصِّحافيُّ سبيلاً بين القبضايات والمُتظاهرين- تتبعُه الكاميرا- إلى الثَّديين الذين كانا يترجَّحان في غير انكسارٍ، تُصيبُهما- من عراك الفضَّاحين مع القبضايات- لطمةُ يدٍ في جَنْبٍ، ووخزةُ قضيبٍ في بطن..
بلغ المُراسلُ الثديينِ وهو يقول لاهثاًً للمُشاهدين في مذياعه:
_ ثَديانِ يفتضحان. نُريد أن نتعرَّف بهما.. من أنتما؟
بدا الثَّديُ الأيسر خجُولاً من الكاميرا إذ شَرَدَ عنها زامَّاً حَلَمته- في حين قرَّبَ الثَّديُ الأيمن حَلَمتَه البُنيَّة- الضاربةَ إلى لونِ الزَّهر- من المذياع قائلاً في حزم:
_ اسمي ناهد. وهذا أخي التَّوأم كاعب!
يسألهما رامي في شيءٍ من حياء- ولم تتحوَّل عنهما الكاميرا:
_ لماذا تَفتضِحانِ هكذا على الملأ؟
فأجاب ناهدٌ بحِدَّة- بشرتُه البيضاء ندِيَّةٌ بالجهد والانفعال: 
_ افتضحنا هكذا حتَّى يتأكَّد المُتصرِّفُ بالسَّراي فؤادٌ السَّنيورة من أنَّنا لا نملكُ في عُبِّنا سوى هذه الخمسَماية ليرة!
والتفتَ المراسلُ إلى كاعب. فأشاح الثَّديُ الأيسرُ بحلَمته المُدوَّرة بعيداً عن المذياع.. وإذا بالكاميرا ترتبك بيد المُصوِّر.. إنَّه محمَّد شطح- أمينُ جَيْبِ السَّنيورة- قادماً في زُمرةٍ من القبضايات الذين انتهزُوا من صلاحٍ والفضَّاحينَ غفلةً فاخترقُوا الطَّوقَ من حَول ناهدٍ وكاعب، ثم اندفعُوا في تصميمٍ وهم يصرخون بإنكار:
_ يا عيب الشُّوم!
وامتدَّت عشراتُ قضبان الخيزُران إلى الثَّديينِ تريد أن تنقُرَ الخمسَماية ليرة.. في تلك اللحظة ترامت من بين البنايات حول التقاطُع هُتافاتٌ بعيدةٌ راحت تقتربُ شيئاً فشيئاً حتَّى اتَّضحت للأسماع:
_ أفقرتُمونا حتَّى أخرجتُمونا من السُّتيانات!
تلفَّتَ القبضاياتُ، والثَّديانِ التَّوأمان، والفضَّاحون المُتظاهرون، والكاميرا: أزواجٌ من الأثداء لا يُحصَى لها عددٌ آتيةٌ من رأس النبع، والصوديكُوه، والبسطة- عاريةً من السُّتيانات، يحملُ كلُّ زوجٍ منها- في الفُرجة بينهُما- قطعةً نقديَّةً من فئة الخمسماية ليرة تلتمعُ في الشمس!
مالت إلى أسفل- خِزياً- شواربُ القبضايات وقضبانُهم. وبانَ في وجُوههم الحياء والارتباك. أمَّا شَطحٌ فقد تلقَّى في تلك اللحظة اتِّصالاً هاتفيَّاً نقلت كاميرا المراسل رنَّتُه بلحن المُغامر الأمريكيِّ إنديانا جُونز.. تسمَّع الرجُل دقيقةً. ثم أزاحَ الخَلَويَّ عن أذُنه. وخاطبَ قبضاياتِه آمراً:
_ ثمَّة كنزٌ في مقام الخَضِر بعينِ عَرَب.. هلمُّوا!
وانطلقَ شطحٌ يعدُو شرقاً والقبضاياتُ يتراكضُون وراءه- أيديهم على الطرابيش الحُمر..
سادَ تقاطُعَ بشارة الخُوري صمتٌ دارت فيه الكاميرا كالذاهلة على الأثداء المُتراصَّة أزواجاً من حول ناهدٍ وكاعبٍ..
_ فليشطحْ بعيداً عن أعبابنا!
ترجَّحت الأثداء فرحاً حتَّى سُمِع اصطفاقُ بعضِها ببعض. تلتفتُ كاميرا الجديد إلى ناهدٍ وقد بَدا أنَّه يستعدُّ لمُخاطبة الجُمهُور الذي لم يَسبِقْ له مثيلٌ في تاريخ الحركة المطلبيَّة بالشارع اللبنانيِّ. اشرأبَّ ناهدٌ وأنشأ يقول- مذياعُ رامي الأمين أمامَ حلمتهِ البارزة:
_ أيُّها الأثداء اللبنانيُّون. إنَّ كلَّ زوجَينِ منكم يُخبِّئانِ لأخٍ مُهاجرٍ أو لرجُلٍ كادح أو لولدٍ مريضٍ الخمسَمايةَ ليرة الأخيرةَ التي صَمَدتْ لوقاحة المُشلِّحين..
تقارَبت الأثداء أزواجاً تضُمُّ بينها الخمسَماياتِ في حرصٍ شديد.
_ إنَّ المُشلِّحين يُريدون منكم- باسم الحياء الذي تعلَّمناهُ على صُدور أمَّهاتنا- أن تظلُّوا مستُورين، مُختبئينَ في سُتياناتكم، مُكمَّمي الحلَمات. لماذا يا تُرى؟
تطلَّعت الحلَماتُ في تساؤلٍ إلى الثَّدي الخطيب. فأجاب ناهدٌ قائلاً بصراحة:
_ كي يختلُوا بكم زوجَينِ زوجَينِ تحتَ الأدراج وفي عُزلة الزواريب وعتمة الزوايا- لا يَعصِم أعبابَكم من أيديهم الوقحةِ فقرُ حالٍ أو حرارةُ استعطاف- يُشلِّحُونكم وأنتُم تتوسَّلونَ إليهم أن يَستُروا ما شافُوا منكم!
تصطفق الأثداء في هَياجٍ- تدورُ عليها الكاميرا.. فتلتقط ثديينِ مُتوسِّطَي الحجم، في بشرتهما البيضاء آثارُ كدماتٍ أو قَرصَات، يصيحانِ معاً في حُرقة:
_ هذا حصل معنا.. لكنْ في الأسواق التجاريَّة!
وقال ناهدٌ فاضحاً أسماء المُشلِّحين:
_ إنَّ السَّنيورةَ وأزعُوراً وشَطحاً والحفَّارَ ماضُونَ في سياساتهم التَّشليحيَّة حتَّى آخرِ قطرة لبنٍ فيكم.
ترامَت من حشد الأثداء تعليقاتٌ غاضبة:
_ يستدِرُّوننا!
_ ما نحن سوى ضُروعٍ حلابة!
_ مزرعة!
انتظر ناهدٌ قليلاً وهو يدورُ بحلمتهِ النافرة مُشرِفاً على الأثداء المُدمدِمةِ المُتطلِّعة إليه وقد سَدَّت تقاطعَ بشارة الخوري. ثم قال مُطلقاً النداء الافتضاحيَّ الثاني لحركة الفضَّاحين:
_ أيُّها الأثداء في كُلِّ السُّتيانات افتضِحُوا!
هتفت الأثداء معاً على وقع اصطِفاقها الحماسيِّ:
_ الافتضاحَ.. الافتِضاحَ..
فاندفع ناهدٌ يقول شارحاً- تُجاوبُه الأثداء بالهُتاف الجديد:
_ افتضِحُوا في وجُوه المُشلِّحينَ تُحرِجُوهم وتفضَحُوا وقاحتهم.
_ الافتضاحَ.. الافتضاح..
_ افتضِحُوا تقطعُوا أيديَهم الممدودةَ إلى أعبابِكم.
_ الافتضاح.. الافتضاح..
_ عجبتُ للثَّدي يبيتُ في السُّتيانة جائعاً ولا يخرُج إلى الناس شاهراً حلَمَته!
اهتزَّت الأثداء بالعجَب أخَذَها من نفسِها لطُولِ ما باتتْ جائعةً تَستَحِي من الشَّكوى.
فقال ناهدٌ يختتم تحريضَه:
_ افتضِحُوا في وجُوه القبضايات ومَن وراء القبضايات.
لا تستحُوا منهم. وهل تحسَبونهم رجالاً- يمُدُّون أيديَهم إلى الأعباب الكريمة؟ افتضِحُوا ولا تستحُوا. إنَّما الحياءُ من الرجال- ولا رجال!
ترجَّحت الأثداء بالتأييد ما بين صغيرٍ خفيفٍ ومُمتلئٍ ثقيل.
وكأنَّما ذكَرَ ناهدٌ شيئاً بغتةً أضافَ يقول- وقد عادت إليه الكاميرا:  
_ لا تخافُوا أيُّها الأثداء مِن عِقابٍ قد يتوعَّدكُم به آباؤُكم أو أعمامُكم جزاءَ افتضاحِكم- إنْ أنتُم رجعتُم الليلةَ إلى البيت.
تجمَّدت الأثداء كأنَّما تتوجَّسُ خيفةً. فقال ناهدٌ بحزم:
_ قولوا لهم: لا تسترجِلوا علينا. إذا كنتُم لا تستطيعُون حراسةَ أعبابنا فدعُونا نُبادر..
ينقطع البثُّ الحيُّ. يا لَلغَرابة!.. إنَّ عهديَ بقناة الجديد الجُرأةُ في نقل الاحتجاجات المطلبيَّة.. تنقَّلتُ بين القنوات اللبنانيَّة. فألفيتُها تواصل برامجَها العاديَّة- لا شأنَ لها بهَمِّ الأعباب المُنتهَبة. عدتُ إلى الجديد. فإذا الأثداءُ تصطفقُ للكلمة التي ختَمَها للتوِّ الثَّديُ ناهدٌ.. أجل استأنفت القناة البثَّ المُباشر بعد انقطاعٍ قصير. وقد علمتُ لاحقاً أنَّ إدارتها تلقَّت عشراتِ الاتِّصالات من باعة اللنجُريه الجوَّالين يحتجُّون على التَّرويج لافتضاح الأثداء بالتغطية الإعلاميَّة للتظاهُرة- الأمرُ الذي يقطع أرزاقَهم! إلا أنَّ مريم البسَّام- مُديرة الأخبار بالقناة- أصرَّت على مُتابعة وقائع افتضاح الأثداء المطلبيِّ في بشارة الخُوري. وفي ذلك سألها تلك الليلةَ طوني خليفة- المُتتبِّعُ أخبارَ الفضائح ينشُرها ببرنامجه "للنَّشر" على شاشة الجديد أيضاً- وهو يرفعُ حاجبيه إنكاراً:
_ أليس تعرِّي الأثداء بالفضيحة؟ كيف تبُثِّينَ صُورَها الحيَّة حتَّى أنَّ البعضَ اتَّهمكِ بنشر الرَّذيلة!
فأجابت المرأة بقوَّةٍ من شاشةٍ كبيرة بأستديوه البرنامج:
_ ليسَ في افتضاح تلك الأثداء نيَّةُ الإغراء أو التعرِّي الفاجر أو التكسُّبُ الرخيص. ولو كان الأمرُ كذلك لتمَّ في الخفاء من غير هذه الضجَّة الإعلاميَّة. وقد بلغني أنَّ قائدَي التظاهُرة ناهداًً وكاعباً تلقَّيا عَرضاً سخيَّاً: مبلغاً كبيراً من المال دُسَّ في عُبِّهما، وهمساً: انسَتِرا واستُرانا. فأبَيا أن يَبيعا أثداء اللبنانيَّات.
فيسألها طوني باهتمام:
_ هل لنا أن نعرفَ مَن عرضَ عليهما ذاك المبلغ؟
تحفَّظت مريمُ قائلةً بغُموض وهي تُبرزُ شفتَيها:
_ شخصٌ معروفٌ يخشَى أن تفضحَه الأثداء..
فيقول طوني مُستفزَّاً المرأة:
_ السَّنيورة قال في انتقاد التظاهُرة: تجوعُ الحُرَّة ولا تأكُل بثدييها!
فتصيح مريم مُنفعلةً:
_ هذا ما يُريده السَّنيورة من اللبنانيَّات: أن يجُعنَ ويبقَينَ مستُوراتٍ ساكتات.. (يقاطعُها طوني. فتقول فوقَ كلامه).. فليقُل لنا السَّنيورة أين ذهبَ بالأحد عشرَ ملياراً التي حصَّلها قبضاياتُه من أعبابنا!
وسكتَ طوني.. كما أسكَتَ اصطفاقَ الأثداء في تقاطُع بشارة الخُوري صوتٌ مُتغالظٌ يرتجفُ له القَصَبُ في الشارع اللبنانيِّ:
_ عيبٌ عليكم الافتضاحُ هكذا!
تحوَّلت الكاميرا عن الثَّدي الذي كان يخطُب. ثم استقرَّت على أحمد فتفت بشاربَيه الصغيرين وطربُوشه الأحمر المرفوع عن جبينه في كبرياء، ودَشداشته المُقلَّمة يشُدُّها إلى وسَطهِ حزامٌ جلديٌّ رقيق.
تقدَّم أحمدُ في جماعةٍ من صبيانه يُردِّدون هُتافَه الأثير الذي يَطربُ له عادةً:
_ أحمد فتفت يا قبضاي..
إلا أنَّ شيخَ القبضايات كان من الغضب أن صَرَخ بالصبيان:
_ اسكُتوا!
ثم تلفَّتَ بوجههِ المُتجهِّم يَشمل الأثداء المُتظاهرة بنظرةٍ قاسيةٍ جعلتها تتقاربُ خوفاًً مزمُومةَ الحلَمات.. وصرخ:
_ تضبضبُوا!
وهجَمَ عليها بقضيب الخيزُران يضربُ يميناً ويساراً- والأثداء تتفرَّق بين يديه وهي تترجَّحُ من ألم لسعاتهِ التي تركت في بشَراتها الرقيقة خُطوطاً محمرَّة.. حتَّى بلغ أحمدُ موقفَ قائدَي التظاهُرة ناهدٍ وكاعب.
جعل الرجُل يتقدَّم من الثَّديين حتَّى صار على بُعد ذراعٍ من مُراسل الجديد، رامي، الذي كان يقول لتلفازه في لهوجة:
_ يُفهَمُ من تصميم شيخ القبضايات على مُصادرة تلك الخمسَماية أنَّه يعتبرُ ذلك تفريقاً للتظاهُرة وإفشالاً لقضيَّتها العادلة..
دفع شيخُ القبضاياتِ المراسلَ في غِلظةٍ صارخاً به:
_ ألا تَستحِي من تصوير هذه العَوْرات؟
ثم اقتربَ فتفتٌ مادَّاً يده إلى الانتفاخ المحصُور بين ناهدٍ وكاعبٍ يُريد أن ينتزعَ الخمسَماية ليرة.. وإذا بكاعبٍ- الثَّدي الأيسر- الذي كان لا يزال حتَّى تلك اللحظة كالشارد.. أقول: وإذا بكاعبٍ يُبرز حلمته، ويَستحلبُ منها قطراتٍ من اللبن تتابعت حتَّى بلَّلت الهالة البُنيَّة!
ارتدَّت يدُ فتفتٍ كأنَّما صعقته الكهرباء..
_ ماما!
نداء طفلٍ حادٌّ رفيع تناهَى إلى تقاطع بشارة الخوري من إحدى البنايات المُشرفة.. ارتبكَ الرجُل في وِقفته أمام الثَّديين..
_ ماما!
نداء طفلٍ آخَر ترامَى من بنايةٍ أقرب كما بدا..
_ ماما.. ماما.. ماما..
وتسابقت النداءات الطفوليَّة. فصاحَ كاعبٌ رافعاً حلمتَه المُبتلَّة بالحليب نحو البنايات كأنَّه يُخاطب طفلاً بعينه:
_ سأُرضعك يا حبيبي.. إذا تركني شيخُ القبضايات، فانتظرني!
كانت الأثداء تتفرَّق في شوارع التقاطُع- كما صوَّرتها كاميرا الجديد- كلُّ زوجٍ منها ينضبُّ في سُتيانته. إلا أنَّ حركة الثَّدي الأيسر كاعبٍ استفزَّت فيها أمُومتَها الكامنة فعادت إلى بشارة الخُوري ناهضةً للمُواجهة، نافِرةَ الحلماتِ تحدِّياً، وأحدقت بفتفتٍ حتَّى حاصرته في دائرةٍ ضيِّقةٍ يتصدَّرُها قائدا التظاهُرة ناهدٌ وكاعبٌ اللذان صاحا بالرجُل معاً في ازدراء:
_ خُذ الخمسَماية ليرة.. هيَّا خُذها. أطفالُنا سيقضُون جوعاً!
تراجع شيخُ القبضايات يتعثَّر بحيائه المُستجِدِّ.. وإذا بسَارِينا سيَّارةِ الأمن الداخليِّ يُسمَع من بعيدٍ من خلال مذياع رامي- وكان اللبنانيُّون قد بدأوا يعتادُون مثيلاتِ تلك السيَّارة تجوبُ الشارع.
وتحرَّكت الكاميرا كأنَّما تُفتِّش عن مصدر الصوت.. ثم التقطت سيَّارةً تتقدَّم من ناحية ساحة الشهداء حتَّى توقَّفت على مقرُبةٍ من التظاهُرة. وترجَّل منها زياد بارود!
التقت الأنظارُ عند المُحامي الشابِّ الذي دأبَ في الآونة الأخيرة على السَّعيِ "لإحلال لغة القانون محلَّ منطق الشارع"- كما تطالعنا تصريحاتُه لوسائل الإعلام التي تواكب تحرُّكاته ما بين بعبدا وساحة النجمة.
بدا زيادٌ في غايةٍ من الانفعال وهو يتَّجه إلى أحمد فتفت- غاضَّاً الطَّرفَ حياءً عن الأثداء المُتظاهرة التي أفسحتْ له السَّبيلَ في صمتٍ مُطبِقٍ، عدا تهامُساً التقطه مذياعُ رامي بين ثديينِ صغيرين:
_ يا له من رجُلٍ وسيم!
فأجابه الآخر:
_ أين منه ذاك القبضاي المُتجهِّم أبداً؟
بانَ الحرجُ في صوت شيخ القبضايات- وقد ضبطته الكاميرا وهو يُخفي قضيبَ الخيزُران وراء ظهره. وقال مُرحِّباً بزياد:
_ أهلاً بمحامينا..
وانتقلت الكاميرا إلى المُحامي بجانب سيَّارة الأمن. فبدا أنَّه لم يأبه للمجاملة. وسأل القبضايَ في صرامة:
_ ألم نتَّفق يا أحمد في دارة الوجيه ميشال سليمان على أن تتخلَّى عن القبضَنة وأن ينخرطَ القبضاياتُ جميعاً في مؤسَّسة قوى الأمن الداخليِّ؟
لم أستطع البقاء مُتفرِّجاً أمام التلفاز. نهضتُ وغادرتُ حُجرتي إلى بشارة الخوري..
صباحَ اليوم التالي صَدَرت جريدةُ الأخبار وفي صفحة "ميدِيا" منها كتب بيار أبي صعب:
ناهدٌ وكاعبٌ.. ولادةُ سياسيَّينِ اثنَينِ مُباشرةً على الهواء
الطريق كانت طويلةً بين مَحبسَي السُّتيانة على صدر رجاء والمِنبَر المُرتجَل الذي اعتلاهُ أمسِ التَّوأمانِ ناهدٌ وكاعبٌ عند تقاطُع بشارة الخُوري ليخطُبا في الأثداء اللبنانيَّة بعفويَّةٍ، الأمر الذي لم يتوقَّعاهُ- حسبَ اعترافهما.
الطريق طويلةٌ بين الزنزانتين المُتجاورتين حيث أقاما عُمراً- محصُورين جنباً إلى جنبٍ، وهذا المِنبَر الذي شَهِدَ هكذا مُباشرةً على الهواء أمام كاميرات التَّلفزَة- هذه الأغُورا المعاصرة- ولادة شخصيَّتين سياسيَّتين، بأسلوبٍ خاصٍّ ونبرةٍ جديدة، جاءتا تقلبان المُعادلات في الساحة اللبنانيَّة العامَّة.
مساءً على شاشة المنار أطلا مُجدَّداً في حلقةٍ ماراتُونيَّة مع عماد مرمل- في برنامجه "حديث الساعة"- ليُؤكِّدا على تلك الولادة. لقد خَلعا السُّتيانة ليستبدلا بها العُريَ، أو الافتضاحَ العلنيَّ- المُصطلَح الذي أدخلته حركةُ الفضَّاحين في القاموس السياسيِّ اللبنانيِّ، وراحا يشرحان ويُبرِّران، يُحاججان ويُساجلان ويُقارعان، يفتحان الملفَّات على الصدر في الفُرجة بينهما، يكشفان الحقائقَ، ويضعانِ الحلمةَ في الفم الفاغر. عرَضا قراءتهما للحريريَّة الاقتصاديَّة التي يُمثِّلها فؤادٌ السَّنيورة خالصَين إلى أنَّها "جفَّفت اللبنَ في أثداء الأُمَّهات اللبنانيَّات"! قالا جهاراً ما يُهمَس به في الأعباب. وجادلا بخُلُق المُحاور ومسؤوليَّة السياسيِّ داعيَينِ الأثداء المستورةَ إلى الافتضاح في وجُوه القبضايات وأسيادهم- مُعتبرَين الفتنةَ، مع ذلك، خطَّاً أحمر! 
ينسَى الثَّديانِ الكاميرا، فيهتزَّان في حماس، يتباعدان ويتقاربان في إغراء. ثم يتذكَّرانها فجأةً، فيتعاملانِ معها بمهارةٍ مُخاطبَين الرأيَ العامَّ اللبنانيَّ بحلمتين بُنيَّتين لا تعقيبَ على منطقهما إذ يُبطل الصُّورةَ الراسخةَ عن ثديينِ غامضَين، قابعَين في ظلمةٍ سُتيانتهما، يُحرقانِ قلوبَ الرجال في عهد الوصاية السُّوريَّة الذي كان مُغنُّو ميشُه شُوه مُتورِّطينَ فيه حتَّى الفُروج..
هذان الثَّديان أمامنا على الشاشة خارجان من سجنٍ قُماشيٍّ مُزدوِجٍ قبَعا فيه ثمانيةَ عشر ربيعاً- هي عُمرُ رجاء. الآن، بمعزلٍ عن الإجحاف الحقيقيِّ الذي لحِقَ بهما- من بُؤس مُؤسَّساتنا الإعلاميَّة، على الرغم من فجُور السياسات الضَّريبيَّة التَّشليحيَّة، لا بُدَّ من تناسي الماضي للقبول بناهدٍ وكاعبٍ شخصيَّتين عامَّتين، والاستسلام لغواية خطابهما. هنا وهناك في حديثهما استطرادٌ يُذكِّرنا بماضي الثَّديين. حين يستعيدان مثلاً ضمَّ العونيِّين وعاشِقي الحريَّة بقصد المُداعبة! وحين يَستذكرانِ مُطاردة الشابِّ الخجُول سمير قصير وإحراجه:
_ كلُّ ما فعلناهُ أنَّنا خبَّأنا جوازَ سفره في عُبِّنا، وقُلنا له مُدَّ يدَكَ واسحبْه إنْ تجرَّأتَ!
ولمَّا سألهما عمادٌ بابتسامته الواسعة لماذا منعا سميراً من السَّفر، قالا من غير اعتذار كأنَّ سلوكهما يومذاك كان في مُنتهى الطبيعيَّة:
_ ذلك لأنَّه أغضبَ أمَّنا رجاء بقوله لها "شقيقُكِ رستُم غزالة يتعسكر عليَّ"!
هناك تفصيلان آخَران وَرَدا في حديث ناهدٍ وكاعبٍ على شاشة المنار. في مَعرِض تسخيفِهما للذهنيَّات الضيِّقة التي تُتاجر بالنَّعرات المذهبيَّة، أراد التَّوأمانِ أن يُذكِّرانا بأنَّ أمَّهما رجاء هي من عائلةٍ سُنيَّة! أما النقطةُ الثانية فهي "هضامة" وليد جنبلاط ونصيحتُهما للمرأة اللبنانيَّة:
_ تسمَّعي إلى جنبلاط فهو مهضوم. لكنْ إيَّاكِ أن تأخُذيه في عُبِّكِ الظَّلط!
نُحبُّ أن نحتفظ في الذاكرة بصورة كيس الأقلام والثَّديان يُلقيانِ به على الطاولة أمام عماد مرمل الذي تساءل مُندهِشاً:
_ ما كلُّ هذا؟
_ هي أقلامٌ فرَّغناها كلَّها بالكتابة للقاضي سعيد ميرَزا نُعدِّد التجاوزاتِ الماليَّةَ التي تستدعي خروجَنا من حبسنا لفضحها.
سألهما عمادٌ وهو يُجرِّب قلماً منها في الورقة أمامه:
_ وماذا كان ردُّه؟
فقال الثديانِ معاً وهُما يهتزَّانِ في يأس:
_ جدارٌ أصمُّ.. هذا هو القضاء اللبنانيُّ!
ناهدٌ وكاعبٌ، الشخصيَّتان السياسيَّتان اللتان تُطالبان بمُعاقبة القبضايات على سلبهم خمسَمايات اللبنانيَّات، تُذكِّران من بعيدٍ بثديي رائعة الرسَّام دُولكروا اللذين افتضحا في الثورة الإفرنسيَّة ليحُثَّا الشعبَ على قطع رؤوس الإقطاعيِّين.. وقد بدَوا أمسِ على شاشة المنار كأنَّهما في الحلبة السياسيَّة منذ وقتٍ طويل، لا ثديين خارجين من الحبس العصرَ! نسينا أنَّنا في حضرة ثديين ينتفضانِ انتفاضتَهما الأولى خارجَ السُّتيانة في الفضاء العام، ويدخُلان للتوِّ اللعبة الديمُقراطيَّة لاعبَين خطيرين قادرَين- بخمسَماية ليرة فقط يدُسَّانها بينهما شِعاراً لمطالبهما- على تحريض الأثداء للتمرُّد على تحفُّظ اللبنانيَّات المألوف والافتضاح في وجوه مُحصِّلي الإتاوات. إنَّ تحوُّلاً كهذا يتطلَّب- في شارعٍ غير الشارع اللبنانيِّ- وقتاً ومراحلَ انتقاليَّة. لكنَّنا في شارع الأعاجيب!

وعلى الصفحة الأولى من جريدة السَّفير صورةٌ كبيرةٌ لناهدٍ وكاعبٍ يحتضنانِ معاً الخمسَماية ليرة- فوقهما العنوانُ العريض:
افتضاحُ الأثداء يفضحُ تصريفَ الأعمال بالسَّراي
ناهدٌ وكاعبٌ: من عُبِّنا إلى جيبِ السَّنيورة!

وفي الافتتاحيَّة كتبَ طلال سلمان، ناشر السفير:
ما افتضاحُ الأثداء بالعيب. ولكنَّ العيبَ، كلَّ العيبِ في إباحة أعباب نسائنا لأيدي الدَّائنين وعُيون الواهبين بشروطٍ مشبُوهةٍ تُخفي نوايا خبيثة!
وفي تفصيل ذلك قرأتُ للخبير في فنِّ التَّوفير فوَّاز طرابلسي في صفحته بالفِسبُوك مقالةً عنوانُها "أعبابُ اللبنانيَّات وباريس3":
إحساساً منه بفَقر حالِ اللبنانيَّات- كما صرَّحَ في المطار- سافر مُصرِّفُ أعمال السَّراي فؤادٌ السَّنيورة إلى باريس. واجتمعَ هناك مرةً وثانيةً وثالثةً بأهل الكرَمِ من أمثال جاك شيراك وسُعود الفيصل وجورج بُوش. ثم عادَ إلى الشارع اللبنانيِّ بتشكيلةٍ من الفساتين المُقوَّرة الصدر- هِبةً لنسائنا، وبشَيءٍ من المال- قُروضاً لهُنَّ يُنفقنَها على طعامهنَّ والسَّكن.
أمَّا القروضُ فمُيسَّرةٌ. وسيأتي منها المزيد- كما وعدَ شيراكُ من الإليزيه، دار الأزياء الإفرنسيَّة الراقية. وقد غطَّى السَّنيورةُ بها نفقاتِ السَّراي على حراستها وأعراسها والصَّلوات.
وأمَّا الهبةُ فمشروطةٌ، لضَمان تسديدِ تلك القُروض. والشَّرطُ الذي فرضَه السَّنيورةُ على اللبنانيَّات وهو يُوزِّع عليهنَّ الفساتينَ في قُريطِم أن يعمَلنَ في القطاع السياحيِّ- دونَ غيرهِ من القطاعات: نادلاتٍ في الحانات والمطاعم، مُضيفاتِ طيران، دليلاتِ سُيَّاح.. حتَّى إذا امتلأتْ أعبابُهنَّ آخرَ النهارِ بالدنانير والريالات الممنوحة على سبيل البقشيش، مدَّ قبضاياتُ السَّنيورة أيديَهُم يستأدُونَ فائدةَ القروض المُستحقَّة.
بذلك تحوَّلت بناتُنا خادماتٍ للدَّين- وقد كانت جدَّاتُهنَّ سيِّداتٍ بثرواتهنَّ التي كُنَّ يكنِزنَها بالأعباب من عملهنَّ في القطاعات المُنتجة- المهجورة الآن- كالزراعة والحياكة..
·    جميل.. يا جميل!
كانت هذه الحلقة12 من روايتي "في وجهك يا وقح". تليها عمَّا قريبٍ الحلقة13: باعةُ اللنجُريه الجوَّالون.  

هناك تعليقان (2):

  1. ولا زال التشبيح والتشليح في دياركم أيها اللبنانيون عامرا

    ردحذف
  2. أعجبتني مظاهرة الأثداء احتجاجاً على الضرائب عندما وضع كل ثديين خمسماية ليرة بينهما وخرجا من السُّتيانة يصيحان: أحرجتُمونا حتى أخرجتُمونا من السُّتيانات! وذلك بروايتك الرائعة "في وجهك يا وقح"

    ردحذف