· جميل.. يا جميل!
_ ماذا؟
* أعتِني الصابونة..
_ أُعطيكِ إيَّاها- بالطاء لا بالتاء أيَّتها الفصيحة!
إنَّما هي إشاعةٌ سَرَت بين اللبنانيِّين: المُعيَّن يُغري خليلاً الحفَّار!
المُحقِّق الشهير في الشارع اللبنانيِّ فارس خشَّان- الذي عرفه اللبنانيُّون بنزاهته وتجرُّده وحِرفيَّته العالية في تحقيقه باغتيال الرئيس الشهيد رفيقٍ الحريريِّ- اعتبر الإشاعةَ إخباراً. والإشاعةُ طريقُ اليقين- كما يقول دائماً. فاستدعى خليلاً إلى مكتبه بمَحَلَّة إسبيرِز. وكان تلفاز المُستقبل ينقُل مُباشرةً على الهواء وقائعَ جلسة "الطَّحقيق"- كذا يلفظ فارسٌ التاءَ طاءً.
جلسنا بالحمَّام على الكراسيِّ السِّيراميكيَّة نتابع، في صمتِ المُتوجِّس، على شاشة حاسُوبنا الموصُول بالشبكة العنكبوتيَّة، المُحقِّقَ فارساً وهو يُرحِّب بالمُشاهدين، ثم "بالمَجنيِّ عليه" خليلٍ الحفَّار الذي بدا في كيلوته القُطنيِّ الأبيض هادئاً مُسترخياً.. قال صلاحٌ ساخطاً:
_ يا لَلوقاحة!
فزجرتُه:
_ هُس.. أسمِعنا.
بنبرةٍ حازمةٍ سأل المُحقِّقُ خليلاً وهو يُشير إليه بسبَّابته:
_ هل افتضحَ أمامك المُتَّهَم المُكنَّى عنه بالمُعيَّن؟
فأجاب خليلٌ بصوتٍ ضعيفٍ وهو يحني رأسَه في مَسكَنة:
_ لا.. ولكنْ..
فسأله المُحقِّق بلهجةٍ جادَّةٍ وهو يلحَظُ الكاميرا كأنَّما يُشهِدُ اللبنانيِّينَ على اهتمامهِ بكلمة "لكن":
_ ولكنْ ماذا؟ أجبْ!
فقال خليلٌ وهو يَشرئبُّ قليلاً:
_ رأيتُ صلاحاً!
صاحَ صلاحٌ وهو ينتفض قائماً عن كُرسيِّ التَّشطيف:
_ شاهد الزُّور!
وهتف خشَّانٌ في اللحظة نفسها وهو يقوم أيضاً عن كُرسيِّ التَّحقيق:
_ رأيتَ صلاحاً! أين رأيته؟ أجبْ!
فأجاب خليلٌ وهو يتطاول:
_ بالروشة..
فسأله خشَّانٌ مُتعجِّباً:
_ إذ ذاك شعرتَ بالإغراء؟
فأجاب خليلٌ مُمعِناً في الاستطالة:
_ نعم!
سأله خشَّانٌ في حيرة:
_ كان المُعيَّنُ برفقته؟
فأجاب خليلٌ- وقد انتصبَ تماماً- بصوتٍ أنفيِّ:
_ لا!
أراد المُحقِّقُ أن يُثبتَ لجمهور المحطَّة أنَّه غيرُ مُنحازٍ في "طحقيقه". فسأل خليلاً كأنَّما يُكذِّبُه:
_ كيف شعرتَ بالإغراء إذاً وأنت- باعترافك- لم ترَ المُعيَّن؟
كان خليلٌ يرتعش بمُحاولة النَّطق، أو لعلَّه لا يدري ماذا يقول.. وإذا باتِّصالٍ هاتفيِّ يَرِدُ المحطَّة. فيُحوِّله من الكواليس علي جابر أو نديم المُنلا- لا أدري أيَّهُما- إلى المُحقِّق الذي يُسارع إلى القول في لهفة:
_ نستقبل- مُشاهدينا- مُداخلةً هاتفيَّة من المُحلِّل النَّفسانيِّ، الإفرُيديِّ السابق إلياس عطالله.. (ويتحوَّل في خطابه إلى صورةٍ لعطالله استخرجَها التلفازُ من الأرشيف).. ماذا تقول أيُّها المُحلِّل في شهادة المَجنيِّ عليه؟
فقال عطالله ناطقاً من صورةٍ جامدة:
_ إنِّي أؤكِّد تعرُّضَه للإغراء!
يسأله فارس خشَّان- بادياً على وجهه الاطمئنان:
_ كيف؟
_ بالرَّبط!
هزَّ المُحقِّق رأسَه مُتفهِّماً. إلا أنَّه سأل المُحلِّل:
_ هل تشرحُ ذلك للبنانيِّين الجالسينَ في بيوتهم أمام شاشة المُستقبل ينتظرون الحقيقة؟
فقال عطالله من الصورة:
_ لقد ربط خليلٌ في رأسه بين صلاح- ونعرف أنَّ صلاحاً كادرٌ في حركة فضَّاحي المُعيَّن.. أقول لقد ربط خليلٌ بين صلاحٍ والمُعيَّن حتَّى أنَّ خليلاً صار إذا رأى صلاحاً فكأنَّه رأى المُعيَّن.
فأكملَ خشَّانٌ الشرحَ قائلاً:
_ فوقع الإغراء!.. (ثم خاطبَ الصورة مُمتنَّاً).. شكراً لتحليلك القيِّم والنَّزيه.. (وعاد يُواجه الكاميرا ).. أيُّها اللبنانيُّون. تبيَّن- بالطَّحقيق الضَّقيق- أنَّ المدعوَّ صلاحاً مُرتبطٌ بجريمة الإغراء. وبهذه الصفة يُستَدعى إلى الطَّحقيق في الحلقة القادمة!
لم يُصدِّق صلاحٌ ما يسمعُه ويُشاهده على الشاشة. ثم انفجرَ صارخاً يخاطب فارس خشَّان:
_ الحقيقة التي تنشُدها هي في الدولارات التي تقبضُها من جي..
_ الحقيقة التي تنشُدها هي في الدولارات التي تقبضُها من جي..
· جميل.. يا جميل!
كانت هذه الحلقة الثامنة. تليها الحلقةُ التاسعة: سيرةُ سميرٍ ابنِ القنطار من بني معروف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق