الأحد، 20 فبراير 2011

"شذوذ بدلة" قصة قصيرة من مجموعة "أوَّل آكلٍ للحم الحيوان" المنشورة في العام2008

                شُذوذ بدلة
هاي! أنتَ أيُّها الرجُلُ المُتعجِّلُ الخطواتِ- تَمُرُّ بي مُلقياً علَيَّ نظرةً عابرة- قفْ قُبالتي لحظةً لأرى انتصابَ قامتكَ وقياسَ خصرِكَ، ثم استدِرْ لأنظُرَ عرضَ كتفَيكَ.. لا بأسَ بك.. أنتَ أنسبُ لي من الرجُلِ الذي مَرَّ بي آنفاً.. ولكنْ ما هذه البدلةُ التي تلبسُها على جسدك؟ ساقطةُ الكتفَين، مُتجعِّدة.. ثم إنَّ لونَها باهت. ألقِها عنك، واختَرْ لك من هذه الواجهة بدلةً لائقة.. أنا مثلاً!
هذا بعضٌ مِمَّا كان يُحاكُ في ذهني خلالَ أيَّامي الطويلة بالواجهة الزجاجيَّة- حتى وقفتْ قُبالتي تلك المرأةُ. كانت تلبسُ فُستاناً- لا أدري كيف أصفُهُ- لم أرَ قبلَهُ ثوباً يكادُ ينزلقُ عن جسد لابسِهِ.. عجباً! إنَّ في جسدِها شيئاً.. يا ربَّ الإبرةِ والخيط! كيف ذلك؟ هل يجُوزُ لي أن أشتهيَ جسدَ امرأة؟ وكنتُ واقفةً في ذُهولٍ، فارغةَ الجوفِ، أكادُ أنهدلُ لولا أن تعلَّقتُ بعمُودٍ خشبيٍّ مربُوطةٍ إليه أسلاكٌ من النايلون.. والتفتت المرأةُ نحو مدخل المحلِّ، واستدارتْ من حولي ثم دخلتْ.
استقبلها صاحبُ المحلِّ بقميصٍ أبيضَ قديم الطراز، وبنطلونٍ أسودَ ذي قُصَّةٍ لم تعُد رائجة.. فأشارت المرأةُ إليَّ في الواجهة قائلةً:
_ أُريدُ أن أرى هذه البدلة.. البيضاء.
ابتسم الرجُل قائلاً بحقٍّ- وهو يتَّجهُ نحو الواجهة:
_ هذه البدلة الأخيرة من نوعها!
وامتدَّتْ يداهُ الخبيرتانِ ففكَّ تعلُّقي بالعمود الخشبيِّ، وحلَّ ارتباطي بالأسلاك، ثم تراجعَ إلى طاولته العالية، فطرحني عليها برِفقٍ أمام ناظرَي الزبونة. وإذا بإصبعَيها- الإبهامِ والسبَّابة- تقرصان كُمِّي بشدَّة! آ.. ثم فكَّتْ أصابعُها أزرارَ جاكتَّتي وفرَّجتْ ما بين جناحَيَّ وراحت تتحسَّسُ بطانتي..
وسألت الزبونة:
_ بكم؟
كنتُ إذا عرضَني صاحبي على الزبائن أتصنَّعُ اللامُبالاةَ. ولكنِّي وجدتُ نفسي أُتابعُ المُساومةَ بجزعٍ أقلقَ القُطَبَ في نسيجي..
_ هذه من الجُوخ الانجليزي، والقُصَّة إيطاليَّة.
ثم أضاف باستهانة:
_ بأربعماية ألف ليرة فقط.
خجلتُ لضآلة الثمن الذي يطلُبه البائعُ بي.. أما المرأةُ فلم تُجِبْ. فاندفع الرجُل يقولُ مادحاً إيَّايَ- وهو دائماً يمدح بضاعته، ولكنَّه على حقٍّ الآن: 
_ مُؤكَّدٌ أنَّكِ تشترينَها هديَّةً لزوجك أو خطيبك.. ستكون هديَّةً مُمتازة.
لا! لا أُريدُ أن يملأ فراغيَ جسدُ رجُل! أُريدُ أن ألتفَّ على جسدكِ أنتِ يا لابسَتي. نسيجُ قميصي يرغبُ في الانتفاخ فوق ثدييكِ، وإبطاهُ تتعطَّشانِ إلى التعطُّرِ بعرق إبطَيكِ، وخصرُ بنطلوني يرغب في تطويق خصركِ، وفراغُه يعشقُ الامتلاءَ بفخذَيكِ والالتصاقَ برِدفَيكِ، وسحَّابُهُ يتوقُ إلى تشمُّمِ أنوثتكِ..
_ نعم. إنَّها هديَّةٌ لزوجي.
وانطبقتُ على نفسي إذ تخلَّتْ يداها عن جناحَيْ جاكتَّتي، وانكمشَ فراغي في حُزن. ثم ابتعدت المرأةُ عنِّي وهي تقول بأسف:
_ لا أحملُ هذا المبلغ!
ارتبكتْ خُيوطي المَحبُوكةُ أصلاً لتؤلِّفَ نسيجاً يلبسُهُ الرجالُ؛ أعترفُ بذلك: أنا بدلةٌ للرجال. ولطالما رمقتُ أجسادَ الرجال العابرينَ من أمام واجهتي وإحساسي الراسخُ أنِّي مُصمَّمةٌ لأُناسبَ أجسادَهم.. ولكنِّي لا أدري- حالما رأيتُ هذه المرأةَ تتأمَّلُ تصميمي- كيف تقلَّصَ قياسي عند الكتفَينِ، واتَّسع عند الصدر، وضاقَ عند الخصر، وعَرُضَ عند الرِّدفَين، بل وتقلَّصَ عند مُلتقى الفخذين! كأنَّ في جسدها شيئاً يبُثُّ المطَّاطيَّةَ في نسيجي..
_ كم تحملينَ؟
_ مايةَ ألف فقط!
استدار البائعُ نحو الواجهة بحركة احتجاجٍ وهو يرفعُني بين يدَيه بعصبيَّةٍ ظاهرة. سيرضى في النهاية ببيعي لها- أعرفُ حركتَهُ تلك.. سأكونُ لباساً لزوجها.. ولكن لا! ستضغطُ جاكتَّتي على أكتاف الرجُل حتى تُقيِّدَ حركتَهُ، وتشُدُّ ربطتي على خناقه حتى تقطعَ أنفاسَه، وسيضيقُ بنطلوني على وسطه حتى يُوجِعَ بطنَهُ، وينزمُّ على أصلِ فخذَيه حتى يُزهقَ روحَه! فلا يعود إلى ارتدائي أبداً! لن يلبسَني أحدٌ غير هذه المرأة.. مهلاً! إذا ارتداني زوجُها فرُبَّما ساعدتْهُ هي- ترفعُ له جاكتَّتي ليُدخلَ يدَيه في كُمَّيها، تطوي له القبَّةَ، وتمسحُ عليها براحتها، تنفضُ أصابعُها الغُبارَ عن جانب البنطلون، وتبتعد عنِّي قليلاً لترمُقَني باستحسانٍ.. وإذا سارا معاً في الحفل ستشبكُ ذراعُها كُمِّي. وإذا رقَصا ستُطوِّقُ ذراعاها الاثنتانِ عُنُقَ جاكتَّتي حتى إذا أدناها الرجلُ منه مسَّ صدرُها وبطنُها مُقدَّمَ قميصي وربطةَ العُنُق!.. ثم إنِّي سأنعمُ بدَعك يدَيها عندما تغسلُني، وسأكتوي بمِكواتها وأنتعشُ بعد ذلك برذاذ الماء البارد الذي ستنثرُه على نسيجي..
وإذا بالمرأة تستديرُ فتُغادر المحلَّ، في حين أتدلَّى أنا كالمشنُوقة على العمود المعدنيِّ الباردِ بالواجهة، ويرتفع كُمِّي الأيمنُ على سلكٍ نحو المرأة- التي مرَّتْ في تلك اللحظة من أمام الواجهة- في لهفةٍ كادت تتقطَّعُ لها الخيوطُ التي تشبكُه بالجاكتَّة. ثم هوى الكُمُّ يائساًً.. قرَعَ البائعُ الزجاجَ بعُقدة إصبعه. التفتت المرأةُ إليه. لوَّحَ لها أن ترجعَ. نظرت نحوه مُتسائلةً. أومأ لها بالمُوافقة.
           *              *             *
نَزَعتْ عنِّي صاحبتي غلافَ النايلون، ثم أنزلتني عن التعليقة المعدنيَّة لتطرحَني على سريرٍ مُفردٍ أزرق الغطاء، خشن الملمس، مُطرَّزِ الأطراف. هذه حُجرتُها.. الزوجيَّة! أين الرجُل.. الذي سيرتديني هو في مُناسبةٍ سعيدة؟ يا لَلأسف!
ها هي المرأةُ تخلع فُستانَها- غيرَ اللائقِ بها- وتتَّجه به إلى الخزانة فتُعلِّقه فيها. عادتْ فوقفتْ أمامَ السرير- بالسُّتيانة والكيلوت- تنظرُ إليَّ في إعجاب. آه ما أشدَّ شعوري بمُناسبتي لمقاس جسمك! أين كان هذا الإحساس محبُوكاً مع خيُوطي؟.. في القُطبة المَخفيَّة!
لعلَّها حائرةٌ بين أن تُعلِّقَني في ظُلمة الخزانة لحين عودة زوجها، وأن تتركَني على السرير مُفاجأةً له.
ها هي تمُدُّ يدَها فتتناول بنطلوني.. إلى ظلمةِ الخزانة إذاً!
نفَضَت البنطلونَ مرَّةً بين يديها..
بَعَثتُ بعضَ الوَبَرِ من نسيجي، فتطايرَ في الهواء، ثم حَطَّ على جَسَدِ صاحبتي، وتعلَّقَ بكتفَيها وبطنها وفخذَيها.. إنَّ لنا نحن معشرَ البدلات حِيَلَنا اللطيفةَ المُغتَفَرة!
خفضت المرأةُ البنطلونَ وهي ترفعُ رِجلَها اليُمنى.. لتُدخلَها في فراغه!
                           تموز 2006






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق