الجمعة، 11 مارس 2011

في وجهك يا وقح- الحلقة2: تحالفات سياسية خلاف الطبيعة: العجيزة أوّلاً

·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا؟
·    هل نمتَ؟
_ قلتُ لكِ لن أنام.
نُكِبت حركتُنا الناشئة بضياع المُعيَّن ولمَّا نهنأ به!
كنتُ- في تلك الليلة المشؤومة- نائماً بحُجرتي في بيت والديَّ بزقاق البلاط- أحتلم. وكان تأخَّر بي السَّهرُ على فِلمٍ إنجِليزيٍّ إباحيٍّ ساديٍّ، يُدعَى "وعد القوَّاد". وقُبَيلَ الإراقة العفويَّة استيقظتُ مُنزعجاً على بُكاءٍ وصُواتٍ وعويل.. نهضتُ مُتوجِّساً. فوضعتُ عليَّ ثيابي. ثم نزلتُ إلى الشارع المُضاء بحُمرة الشَّفق. وجعلتُ أستدِلُّ بالصُّوات. فإذا به يقودُني إلى الجُمَّيزة، إلى حمَّام رجاء!

تدانيتُ من باب الحمَّام ذاهلاً عن النِّسوة اللواتي أوسعنَ لي وهُنَّ ينتحبنَ باكياتٍ حتَّى صاحت بي إحداهُنَّ توبِّخُني مُتسائلةً:
_ كنتَ نائماً؟
التفتُّ إليها فإذا هي سمرُ الحاج!
دخلتُ الحمَّام. فوجدتُ رجاء مُنطرحةً في المغطس، عليها شرشفٌ أبيض مُتَّسخٌ، به بُقعٌ من دمٍ يابسٍ، أوسعُها البُقعة عند أسفل البطن!
مدَّت رجاء لي يداً مُرتعشة. فأخذتُها بين كفَّيَّ في رِفْقٍ- وندمُ التَّقصير يعتصر قلبي. ثم جلستُ على حافَّة المغطس أسألها عمَّا بها بصوتٍ لا يكاد يخرج من حلقي. وبعد لأيٍ قالت رجاء بشفتين جافَّتين:
_ اغتصبُوه يا جميل..
سألتُها كالخائف من الجواب:
_ مَن هم أولئك؟
لكنَّها عادت تقول كأنَّها لم تسمعني:
_ اغتصبُوا المُعيَّن!
وتعالى ضجيجُ النِّسوة في الخارج. ثم ترامى إلينا صوتُ صلاح ينتهرُهنَّ:
_ كفاكُنَّ نُواحاً!
فارتفع صوتُ سمرَ تصيح:
_ لسنا ننوح. نحن نستعدُّ للإبحار إلى الأرض الفلسطينيَّة المُحتلَّة..
دخل صلاحٌ الحمَّام هو ووليدٌ الذي أغلق البابَ الأكُرديُونيَّ دون النِّسوة. فراحت ضجَّتُهنَّ تخفُتُ حتَّى تلاشت.
جلس وليدٌ على كُرسيِّ التَّشطيف. في حين انتقلتُ أنا إلى كُرسيِّ المرحاض. فجلس صلاحٌ على حافَّة المغطس مُتوجِّهاً إلى رجاء بالسُّؤال:
_ يقولون إنَّكِ ذهبتِ إلى بوَّابة فاطمة في مُواجهة الزعران الإسرائيليِّين.
فأجابت رجاء وهي تُسبل جفنيها:
_ لم أكُن وحدي.. كنتُ مع زوجي.
فردَّد صلاح متعجِّباً:
_ زوجك؟ ما عرفتُ أنَّكِ مُتزوِّجة!
فقالت رجاء تُهوِّن الأمر:
_ ليس سوى زواجٍ مُنقطعٍ، انقضى بانقضاء أجَله.
لوى وليدٌ بُوزه ساخراً. غير أنَّ صلاحاً حثَّها بإشارةٍ من يده على مُتابعة قصَّتها. فجلست في المغطس مُتثاقلةً. ثم اتَّكأت على يديها وأنشأت تقول:
_ أصرَّ زوجي، أو الذي كان زوجي ليومٍ واحد، على اصطحابي إلى بوَّابة فاطمة لمشاهدة الأرض الفلسطينيَّة. فقلتُ له إنَّني أخشى على المُعيَّن من الزعران. فقال كالزعلان: "هو شَرفي. وهل أجازف بانتهاكه لو أنَّ ثمَّة خطراً عليه؟"..
فعلَّق وليدٌ مُتهكِّماً:
_ يا له من شريف!
فواصلت رجاء تقول بصعوبةٍ ظاهرة:
_ وما أدري إلا وعصابةٌ من الزعران على درَّاجات المِركافة تُطوِّقُني..
ضرب صلاحٌ بقبضته على فخذه في قهر. وواصلت رجاء بصوتٍ ضعيف:
_ تلفتُّ وأنا أرتعدُ فلم أجدْ لزوجي من أثر..
فدمدم وليدٌ مُغضَباً:
_ العميلُ باعه للزعران.
وقال صلاح:
_ أو لعلَّه هرب..
وسألها وليدٌ:
_ ما اسمُ زوجِك ذاك؟
_ أحمد نصرالله.
فتساءل وليد باهتمام:
_ أمِن آل نصرالله هو؟
فقالت رجاء بقوَّة:
_ كلا. إنَّه لا يمُتُّ بصلةٍ لآل نصرالله.. (ثم واصلت حكايتها).. أدركتُ غايتهم الآثمة. فقاومتُ أياديَهم القذرة بما أوتيتُ من قوَّةٍ- قائلةً في نفسي "الموت دون ما يُريدون". وإذا بضربةٍ على رأسي غبتُ بعدها عن الدنيا.. (حبسنا أنفاسَنا).. ثم استيقظتُ على ألمٍ فظيعٍ بين فخذيَّ.. (انتقلتْ أعيُننا إلى بُقعة الدم اليابسة في الشرشف على وسطها).. مددتُ يدي أتفقَّده.. ثم صرختُ مفجُوعةً!
فسألها صلاح مُتبالهاً:
_ ماذا وجدتِ؟
فصوَّتت رجاء وهي تُميط الشرشفَ عن فراغٍ بين فخذيها:
_ لم أجد شيئاً.. اغتصبُوه منِّي يا عرب!
وتردَّد صُواتُ الفتاة في الحمَّام حادَّاً مُثيراً للأعصاب حتَّى هتفتُ بها جَزِعاً وأنا أرفع سبَّابتي إلى شفتيَّ:
_ هُس!
وأطبق صلاح بكفِّه على فمها. في حين وثبَ وليدٌ إلى طاقة الحمَّام. فأغلقها بعصبيَّةٍ وهو يصِرُّ بأسنانه:
_ اخرسي.. جرَّستنا!
أقبلتُ على الحاسُوب المحمول على رفِّ عُبُوات التنظيف. فاستحضرتُ قناة الأقصى- راجياً أن تُكذِّب لنا أعيُننا. فطالعنا مُراسلُها إياد حمُّود من باحة المسجد العتيق يقول- والأرض المُقدَّسة ترتجُّ تحته:
_ هذه حفَّارات المُقاول الإنجليزيِّ طوني إبلير تحفرُ تحتَ المسجد الأقصى سِرداباً لزُعران اليهود..
ردَّدنا معاً في إنكار:
_ سردابٌ للزعران تحتَ المسجد الأقصى!
ثم هتف بي وليد:
_ انتقلْ بنا إلى القناة الأمريكيَّة.
على شاشة السِّيأنأن راعَنا رجُلٌ يرتدي الجلدَ الأسودَ على جسمٍ سَمين عرفنا فيه أريال شارون، الأزعرَ القاسي، يقول بالعِبريَّة ما ترجمتُه:
_ إسرائيل.. (وسكت قليلاً ريثما يتغلغل هذا الاسم الغريب في وعي المُشاهدين ثم واصل).. السِّردابُ السَّاديُّ الوحيد في هذه الصَّحراء المجهولةِ فيها اللذَّاتُ الجنسيَّة الغريبة.. (ثم أضاف وهو يُشير بسَوطٍ في يده إلى عارضتين من الخشب الأسود مُتصالبتين على الجدار وراءه).. هنا في إسرائيل ستُشاهدون المُعيَّن وهو يُقيَّد بالسلاسل، ويُجلد بالسِّياط، وتُخاط أشفارُه بالإبَر، وتُنتَف شِعرتُه، ويُكوى بالشَّمع.. وغير ذلك كثيرٌ من فُنون الساديَّة المُتطوِّرة.. (ثم ملأ وجهُه اللئيمُ القسَماتِ الشاشةَ وختم قائلاً).. أيُّها الباحثونَ عن الغريب من المُمارسات الجنسيَّة تعالَوا بكثافة، وادفعوا بسَخاء فنقلبَ الصَّحراء- بمعونتكم- بساتينَ فيها من أنواع الفاكهة المُحرَّمة ما تشتهي النفوسُ المُعقَّدة..
صوَّتت رجاء وهي تُلوِّح بيديها على غرار النادبات الفلسطينيَّات:
_ وامُعيَّناه! اغتصبوكَ وأقامُوا عليك إسرائيل!
فصرخ بها صلاحٌ وهو يقبض على كتفها مُؤكِّداً:
_ سنُحرِّره يا رجاء.. أقول لكِ سنًحرِّر المُعيَّن!
فجاوبه وليدٌ وهو ينتصبُ واقفاً يلوِّح بقبضته:
_ لا شرفَ للعرب إلا بتحرير المُعيَّن! وما أُخذَ بالقوَّة لا يُسترَدُّ إلا بالقوَّة!
انتقلتُ إلى قناة المنار. فراحت تُعيد علينا مشاهدَ من تدريب الستَّارينَ إذ يقفزونَ من فوق الحواجز المُشتعلة.. فقال وليدٌ بغِلظة وقد تبيَّن نيَّتي:
_ لن تتَّكل حركتُنا على أولئك الشبَّان في تحرير مُعيَّننا!
إلا أنَّ صلاحاً قال بحكمة:
_ نحن نحتاج إلى تضافُر الجهود لتحرير المُعيَّن.. قُل إنَّنا لن ننتظر أحداً.
في الأيام القليلة التالية أعلن وليدٌ- في نقابة الصحافة اللبنانيَّة، بحضور نقيبَي الصحافيِّين والمُحرِّرين محمد البعلبكي وملحم كرم وشخصيَّات إعلاميَّة وسياسيَّة- عن تأسيس "حركة تحرير المُعيَّن من المُغتصبين الزعران". ثم تلاه في الكلام صلاحٌ الذي أعلن عن فتح باب التطوُّع "لكلِّ غيُورٍ على شَرفه في وطننا العربيِّ، ولكلِّ شريفٍ يأبى أن يغمضَ له جفنٌ والمُعيَّن مُغتصَبٌ في إسرائيل"..
وكنتُ كلَّما دخلتُ الحمَّام على رفيقيَّ وجدتُهما عاكفَين على الحاسُوب المحمُول يعُدَّان أسماء المُتطوِّعين من لبنانيِّين وفلسطينيِّين وسُوريِّين ومصريِّين وأردُنيِّين.. ويرفع وليدٌ وجهه إليَّ ويُدمدم:
_ أهلاً بالاتِّكالي!
لكنَّ صلاحاً يسألني جادَّاً:
_ هل تتولَّى التَّنسيقَ مع مُنظَّمة الستَّارين؟
الحقُّ أنَّني أوشكتُ أن أنخرطَ في حركة تحرير المعيَّن لولا هبةٌ عرَضَها الأمير السَّعوديُّ مُقرنٌ بن عبد العزيز رفضها صلاحٌ بشدَّةٍ لأنَّها "مشروطةٌ بتأخير العمل التَّحريريِّ لأجلٍ غير مُسمَّى"، ووافقَ عليها وليدٌ لأنَّ الحركة الجديدة "أحوجُ ما تكونُ إلى الدعم الماليِّ في انطلاقتها الأولى"..
واستفحل الخلافُ بين الرفيقين- والهبة لمَّا تُدفَع- حتَّى كاد اللبنانيُّون ينقسمونَ فريقينِ لولا أن زُلزِل الشارعُ اللبنانيُّ باغتيال الرجُل الذي كان يعمل على بناء الدَّولة: رفيق ال..
·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا؟
·    كأنَّني سمعتُ رنَّة تلفوني الخَلَويِّ؟
_ لا.. لعلَّه انسكابُ الماء عندكِ.
رَنَّ هاتفُ رجاء الخَلَويُّ. تناولته بيدها المُبتلَّة عن رفِّ المرآة. ونظرتْ في شاشته الصغيرة. ثم قالت لنا:
_ هذا وليد..
خرجتْ من المغطس وجسدُها يقطر ماءً. فانتحت زاويةَ الحمَّام حيث تعليقةُ الثياب. وألصقت التلفون بصُدغها وأنشأت تقول ونحن نتسمَّع:
_ آلو.. لماذا؟.. بلى أحبُّ أن أتخلَّصَ من وصايته.. ولكنْ.. (اغرورقت عيناها. فتبادلنا أنا وصلاحٌ النظرَ نتساءل).. وأحبُّ الحياة..
وكأنَّما أخذت الفتاةَ فورةٌ عاطفيَّة؛ تناولت عن التَّعليقة رُوبَ الحمَّام. ألقته عليها في عجَلة. دسَّت الخلَويَّ في جيبها. فتحت الباب الأكُرديونيَّ. وخرجت!
ناديتُها فلم ترُدَّ. نهض صلاحٌ ومضى في إثرها وهو..
·    جميل.. يا جميل!
صحتُ بالمرأة في حدَّة:
_ قلتُ إنَّ هاتفكِ صامتٌ لا يرِنُّ!
واقتحم صلاح عليَّ الحمَّامَ في بلوزة المُعيَّن الأحمر. وهتف بي في عصبيَّة:
_ أين رجاء؟
فأجبتُه مُنزعجاً وأنا أشدُّ السِّيفون:
_ لا أدري. ألم تلحقْ بها؟
تجاهل سؤالي. وعاد يسأل:
_ فأين هو وليد؟ إنَّه لا يستجيب لاتِّصالاتي.
ألقيتُ المحرمة الملوَّثة في سلَّة القُمامة. ثم نهضتُ عن كُرسيِّ المِرحاض. وهتفتُ بصلاح:
_ ما بك تسأل؟ ماذا وراءك؟
تقدَّم من الحاسُوب على الرفِّ الذي يحمل عُبوات التنظيف. وضرب في خانة البحث العنوان التالي:
www.iloveaziza.blogspot.com
وعُدتُ أسأله في جَزَعٍ عمَّا هنالك وهو عابسٌ لا يُجيب حتَّى حضَرَت صفحةٌ تتصدَّرها صورةٌ لرجاء! قال صلاح وهو يتراجع ويتهالك على كُرسيِّ التَّشطيف:
_ انظُر ماذا صنع وليدٌ من وراء ظهرنا.
كانت رجاء تستدبر الجمهورَ عاريةً إلا من خِرقةٍ زرقاء تستُر بها عجيزتَها، تُمسكُها بيدها كأنَّما لتنْزَعَها، وتلتفت بوجهها مُتسائلةً في إغراءٍ بالخطِّ الأحمر:
عزيزة أشهى، أليست كذلك؟
سألتُ صلاحاً ببلاهة:
_ مَن هي عزيزة؟
دمدَمَ بحُنق:
_ يسألني مَن هي عزيزة!
كان الموقع مُعنوَناً: حركة "عزيزة أوَّلاً". تحته بيانُ الحركة التأسيسيُّ:
لقد استغلَّ البعضُ قضيَّة المُعيَّن العادلة، فحرم اللبنانيِّينَ من الحياة- بالاغتيال والكبت والتزمُّت. لذلك فإنَّنا، مع تشديدنا على وجُوب تحرير المُعيَّن الغالي من أيدي الزعران الإسرائيليِّين- بالوسائل الحضاريَّة، رأينا أنَّ اللبنانيِّين يُحبُّون الحياة، والحياةُ عزيزة. فماذا تَرَونَ أنتُم أيُّها اللبنانيُّون؟
نظرتُ إلى صلاحٍ بعينين مُتَّسعتين دهشةً. فقبضَ على الفأرة بعصبيَّةٍ وهو ينفُخ في غضبٍ شديد، وحرَّكها على الشاشة قائلاً:
_ وهذه المحطَّات التلفازيَّة لا حديثَ لها إلا عزيزة!
قناة المُستقبل تُجري..

·    جميل.. يا جميل!
_ ماذا؟
·    تَسَلَّ- ريثما أخرجُ إليك- بمُشاهدة أحد البرامج الترفيهيَّة..
فهتفتُ بها في شيءٍ من حِدَّة:
_ إليكِ عنِّي!
من بين كلِّ البرامج الترفيهيَّة على القنوات التلفازيَّة المحليَّة، لا أظنُّ اللبنانيِّين ينسَون- على كرِّ العهود- برنامج ميشُه شُوه.
كنتُ في بيت والديَّ بزقاق البلاط مُعتكفاً في حُجرتي عندما ترامى إليَّ صوتُ صلاحٍ يُخاطب أمِّي عند الباب في مرَح:
_ قولي لجميل أن ينْزل معي لنشهدَ في ساحة الشهداء ميشُه شُوه!
وسمعتُ أمِّي تقول له في عتاب:
_ ألا تعرف يا بُنيَّ أنَّنا في حال حزنٍ على الشهيد رفيق الحريري؟
وصاح أبي من حُجرته مُحتجَّاً:
_ تُهرِّجون في ذكرى الشهيد.. استحُوا!
لم يعبأ صلاحٌ بهما إذ قال ساخراً وهو يتَّجه بخطواته الصاخبة إلى حُجرتي:
_ إنَّ ذويه الأقربين هم الذين دعَوا ميشُه لإحياء الحفل!
فتح صلاح بابَ حُجرتي- عليه الجاكتَّة الجلديَّة السَّوداء، وبادرني بالقول في قلق:
_ إنَّ وليداً يستغلُّ المناسبة الشعبيَّة للترويج لحُبِّ عزيزة!
نزلنا إلى الشارع.
ما وضعتُ قدميَّ على الأسفلت حتَّى وجدتُني مُنجرفاً في تيَّارٍ من المُشاركين في المناسبة.. تلفَّتُّ أبحث عن صلاح فلم أجده. وتولاني إحساسٌ بالضياع والقلق. فجعلتُ أنادي صلاحاً بشيءٍ من جَزَع.. وإذا بيدٍ تقبض على ذراعي:
_ صلاح!
_ جميل.. لعلَّك ضعت؟
_ لا!
بالصُّراخ تخاطبنا في الضوضاء. ثم شبكنا الأيدي بقوَّة مُستسلمَين للتيَّار يجرفنا نحو ساحة الشُّهداء..    
عن جانبَي الطريق لوحاتٌ إعلانيَّة كبيرة مكتوبٌ عليها بالإنجليزيَّة- بالخطِّ الأحمر العريض: "أحبُّ عزيزة".. "عزيزة أوَّلاً".. "أحبُّ عزيزة".. "عزيزة أوَّلاً"..
وصرخ صلاح في أذُني:
_ انظر..
أمامنا عند المصبِّ الضيِّق في ساحة الشهداء كان صبيانٌ يوزِّعُون على المُشاركين بلُوزاتٍ بيضاء. فيتناولونها في آليَّة، ويرتدونها على عجَل، ثم يواصلون الانسياقَ في التيَّار.. فإذا على ظُهورهم رسمٌ بالعرض لمُثلَّثين أحمرَين يتماسَّانِ برأسَيهما!
صرخ صلاح في أذُني حانقاً:
_ هذا رمزُ عزيزة!
فقلتُ له في إنكار:
_ إنَّه المُعيَّن الأحمر مشطوراً ومقلوباً!
فصرخ يسألني:
_ ماذا تقول؟
أعطاني الصبيُّ بلوزةً. فطويتُها بين يديَّ جامعاً قاعدتَي المُثلَّثين معاً حتَّى فهم صلاح مقصدي فهزَّ رأسه مُوافقاً بغضب.. ومدَّ فارس سُعيد يده إلى صلاح ببلوزةٍ. فحدَجَه صلاحٌ بنظرةٍ قاسية. ثم فرَّجَ جناحَيْ جاكتَّته كاشفاً عن المُعيَّن الأحمر على صدره. بُوغت الصبيُّ، فتقهقرَ حتَّى تعثَّر وانقلبَ على كُداسة البُلوزات التي كان يُوزِّعها!
ضحكتُ عليه شامتاً. ثم رميتُ نحوه بالبلوزة التي أعطانيها. وانصَببْنا في الساحة- تدفعُنا من الوراء الأكُفُّ المُتلهِّفة..
وجدتُ نفسي في دوَّامةٍ من المُحتفلين- لا أرى منهم سوى ظُهورهم عليها رمزُ عزيزة.. دُرتُ ودُرتُ حتَّى اعتراني الدُّوارُ واندمجتْ في نظري المُثلَّثاتُ فكأنَّما هي ترسُم على الصُّدور مُعيَّناتٍ حمراء.. وخطر لي أنَّ الدعوة إلى حُبِّ عزيزةَ إنَّما هي في الحقيقة دعوةٌ إلى الزواج بالمُعيَّن. فلا مُخالفة للطبيعة إذاً!.. ولعلَّ هذا الخاطرَ بالذات هو ما استفزَّ صلاحاً بطبعه الحادِّ إلى أن يخلع عنه الجاكتَّة! وفي الحال انفرجتْ عنَّا المُثلَّثاتُ إذ فضحَ المُعيَّن الأحمر- على صدر صلاح- شُذوذَها، وانفسحَ لنا شيءٌ من مُتنفَّس..
وارتفع صوتٌ من مُكبِّرات الصوت العملاقة يقول في استبشار:
_ إنَّهم يزيدون على المليون!
عرفتُ في الصوت جورِج بَكاسيني- مراسلَ تلفاز المستقبل. نظرتُ إلى أعلى فرأيتُ في السماء الزرقاء كاميرا التلفاز ممدودةً فوق الساحة بذراعٍ حديديَّةٍ طويلة.. وقال لي صلاح وهو يُناولني جاكتَّته:
_ سأبحث عن وليد..
ومضى يشُقُّ الأكتافَ بالمُعيَّن على صدره تتساقط له المُثلَّثاتُ على الجانبين..
وتعالى صوتُ بَكاسيني مرَّةً أخرى يقدِّم للجمهور- على المنصَّة المنصوبة- المُهرِّجَ الشهيرَ ميشال قزِّي المعروف بميشُه. وما ظهر ميشُه على المنصَّة بزيِّ التهريج المُرقَّع بالألوان الفاقعة حتَّى هاجَ الجمهورُ وماجَ فحجب المنصَّةَ عن عينيَّ. وكيف لي أن أرى شيئاً وسْطَ جمهورٍ مليونيٍّ!.. لو بقيتُ في البيت لاطَّلعتُ على الصورة كاملةً تنقلُها كاميرا المُستقبل. ولكنَّ صوتَ ميشُه، مُقدِّمِ الاحتفال، كان مسمُوعاً بمُكبِّرات الصوت يقول بنبرته الغليظة المُزعجة:
_ سيكون نهاراً فنيَّاً طويلاً!
رحتُ أعطفُ رأسي يمنةً ويَسرةً، وأتطاول على أمشاط قدميَّ مُتطلِّعاً إلى المنصَّة حتَّى استطعتُ أن ألمحَ ميشُه وهو يحرِّك يديه تلك الحركةَ التي عُرِفَ بها في تلفاز المستقبل يُقدِّم بها المُطربينَ والمُطربات: يمُدُّ يدَيه كلتيهما نحو المُطرب وهو يُلوِّح بكفَّيه كجناحَي حمامة قائلاً للجمهور بصوتٍ يرتعش بالفُكاهة:
_ إلك!
أهاجت تلك الحركةُ الجمهورَ حتَّى كدتُ أسقط بتدافعهم.. وغابت عنِّي المنصَّة. وارتفع صوتُ المُطرب يتأوَّه:
أُوه..
فجاوبه الجمهورُ بآهةٍ أغلظ وأطول، ثم صَمَتَ يتطلَّع إليه منتظراً.. قال المُطرب:
آ.. (ممدودةً طويلةً كأنَّما يبحثُ في ذاكرته عن كلمات الأغنية، ثم عاد يقول كأنَّه اهتدى إلى الكلمة):
وأُوه..
فجاوبه الجمهورُ بآهةٍ مثلها.. فغنَّى الرجُل بتوجُّع:
وأوَّاه..
فجاوبه الجمهورُ بتوجُّعٍ أشدَّ:
أوَّاه..
ثم انطلق المُطربُ بحماسٍ كأنَّه ذكر كلماتِ الأغنية بغتةً أو أنَّه أُعطِيَ ورقةً بها:
أُوه وأُوه وأوَّاه..
شُوفوا بحالي ايش سوَّا..
بالحُبِّ وبالقوَّة!
سألتُ ولداً على خدِّه- مدهُوناً بالطِّلاء- شعارُ عزيزة: المُثلَّثانِ الأحمران يتماسَّانِ برأسَيهما بالعرض:
_ مَن يعني بأغنيته هذه؟
قال ببداهة:
_ رستُم غزالة! ألا تعرفه؟ هو خال الماما عزيزة!
وارتعش صوتُ ميشُه بالفُكاهة مرَّة أخرى مُقدِّماً المُطربَ التالي:
_ إلك!
وصفَّق الجمهور.. غنَّى المُطرب باللهجة اللبنانيَّة مُشدِّداً- كذلك الأمر- على مخارج الحروف:
واه يا غزاله..
فردَّد الجمهور وراءه: واه يا غزاله.
ثم غنَّى الرجُل:
يا شاغلة بالي..
فقال الجمهور: واه يا غزاله.
ومضى المُطرب يُغنِّي بعاطفةٍ صادقة:
قلتلِّك تعالي.. واه يا غزاله.
جيتِ كرمالي.. واه يا غزاله..
هذا ولم تنقطع نداءاتٌ مفزوعةٌ تتصاعد من هنا وهناك لأُمَّهاتٍ فقدنَ- على ما يبدو- أولادَهنَّ:
_ أين أنت يا ولدي؟ 
ورجع إليَّ صلاح. فتناول منِّي جاكتَّته. ولبِسَها. ثم أمسك بيدي. وشقَّ لنا سبيلاً إلى المنصَّة وهو يقول لاهثاً:
_ تعال يا جميل.. هذا وليد هناك.. تعال نسأله عن الخبر. 
كان وليدٌ وراء المِنصَّة مع جماعةٍ عرفتُ منهم مروان حمادة وإلياس عطالله وسمير افرنجيَّة وباسم السبع وهادي حُبيش وميشال فرعون،.. يضعونَ حول أعناقهِم شالاتٍ بيضاء تتدلَّى أطرافُها على أكتافهم برمز عزيزة، شعارِ حركة "عزيزة أوَّلاً".. جذبه صلاحٌ من ذراعه وسأله بحدَّة:
_ ماذا تفعل يا وليد؟
استأذن وليدٌ رفاقه الجُدُد. وانتحى بنا وهو يقول:
_ هل نسيتُما ما قاسته عزيزةُ على يد خالها السُّوريِّ باسم وصايتهِ عليها؟
فصُحنا به أنا وصلاحٌ معاً في استنكار:
_ نكايةً بغزالة تُعرِّسُون على عزيزة.. وماذا عن المُعيَّن؟
فتساءل وليد ببرود:
_ أما آنَ لكم أن تُقرُّوا بعجز العرب عن تحرير المُعيَّن؟
نظرتُ إليه بازدراء وأنا أقول له:
_ اتَّفقنا ذات مرَّةٍ على مُواجهة الوقحين. فإذا أنتَ واحدٌ منهم!
وسبَّه صلاح وهو يقترب منه في تحرُّش:
_ شاذٌّ وخائن!
ولكنَّ وليداً أدار لنا ظهرَه ومضى وراء المنصَّة. فقال صلاحٌ وهو يُشير إليه باحتقار:
_ انظُر إلى بنطلونه يكاد ينزلقُ عن عجيزته.
فقلت متفكِّراً:
_ إنَّها موضةٌ أمريكيَّة..
وكان ميشُه يقول مُقدِّماً مُطرباً آخَر:
_ إلك!
وهلَّل الجمهور للمُطرب الجديد، وجعل يُطالبه بالأغنية الأثيرة عنده. فقال الرجُل مُلبِّياًً رغبةَ جمهورهِ العزيزيِّ- بصوتٍ عميقٍ كأنَّه خارجٌ من تحت الأرض:
_ أكيد أكيد أكيد.. ما من شك!
ثم انطلق يُغنِّي في لوعة:
لا تضربني لا تضرب
كسرت الخيزرانه، كسرت الخيزرانه
صار لي سنة وستِّ اشهُر
من ضربتك وجعانه، من حَبْسِتَك تعبانه..
ومرَّ بنا وراء المنصَّة قطارٌ هزليٌّ طويلٌ من بناتٍ تُمسك كلٌّ منهنَّ بخاصرتَي الأخرى، يتضاحكنَ ويُرقِّصنَ عجيزاتهنَّ للصبيان يركضون وراءهُنَّ مُهلِّلين في غايةٍ من الإثارة..
وفي لحظة تَخَلٍّ ترامَى إلى سمعنا حوارٌ على المنصَّة بين المُهرِّج ميشُه وصوتٍ مألوفٍ يقول له- إذ همَّ ربَّما بتقديمه:
_ اسكُت!
وكأنَّ صاحبَ الصوت جعل يضرِبُ بيده على المذياع يُجرِّب استجابته- راح وقعٌ يتردَّد في أنحاء الساحة حتَّى ساد فيها الصمتُ. ثم اندفع الرجُل يُغنِّي الرَّابَ الأمريكيَّ بطلاقةٍ مذهلة:
_ يا ساديَّاً يخاف منه الساديُّون..
انفجر الجمهورُ بصيحات خوفٍ مُصطنعةٍ يُحاكي بها ذعرَه السابق من الساديِّ الظالم.
_ من فرقَعة سَوطِك ترتعدُ الوحُوش..
هُووووه
_ وتهرُب الأفاعي..
ماج الجمهورُ بحركات هروبٍ إيمائيَّة.
_ عُد إلى قبوِك..
قاطعه الجمهور بالهُتاف الجريء:
إيه والله  غزاله اطلعي برَّا
إيه والله..
فعاد المُطرب يُغنِّي:
_ عُد إلى قبوك، قبوِ التعذيب في المَزَّة
حُلَّ عن عزيزتنا!
أشرتُ إلى صلاح بأنِّي لم أعُد أُطيق البقاء. وعدتُ إلى زقاق البلاط تُطالعُني في الطريق صورٌ لعزيزة- تملأ اللوحاتِ الإعلانيَّة الموقَّعة :ساتشي وساتشي- كانت من الإغراء والتكرار بحيث أنَّها تقلبُ الشهوةَ حقَّاً عن المُعيَّن!
بادرتني أمِّي عند باب البيت مُتسائلةً وهي تحتضنُني بلهفة:
_ خفتُ عليك أن تضيع.. اتَّصلتُ بك مراراً على هاتفك الجوَّال، فلماذا لم تُجب؟
أجبتُها باقتضابٍ وأنا أتخلَّص من عناقها برِفق:
_ الضوضاء وصوت المُوسيقى..
أمَّا أبي فقد وشَت نبرتُه بالارتياح لعودتي وهو يسألني من حُجرة الجلوس في حِدَّة:
_ ماذا كنت تفعل هناك؟
دخلتُ الحجرة فاتحاً فمي لأُجيبه. فاحتبسَت الكلماتُ في حلقي إذ وقعتْ عينايَ على عزيزة تملأ شاشة التلفاز برِدفَيها الدَّسمَين- بينهما إستُها الصغير المُتجعِّد!
قال أبي بارتباكٍ لم أعهده في طباعه:
_ أردتُ أن.. أن أسمع ما ستقوله عزيزةُ هذه في "كلام الناس"!
جلستُ إلى جانبه نشاهدُ على شاشة المؤسَّسة اللبنانيَّة للإرسال الإعلاميَّ الضاحك مَرسال غانم ينفجر بضحكةٍ من ضحكاته وهو يستقبل عزيزةَ في برنامجه الشهير. ولمَّا سكتَ عنه الضحكُ سألها:
_ ها إنَّ أكثريَّة الناس وراءكِ يا ست عزيزة. في حين أنَّ المُعيَّن تتعلَّق به الأقليَّة. وقد تكلَّم الناسُ بإسهابٍ عن لذَّة الاقتران بكِ. ولكن ماذا في جوفكِ تعدينَ به الأكثريَّة؟
انفرج رِدفا عزيزةَ عن إستها الذي نتأتْ شفاهُه الصغيرة استعداداً للنُّطق. وأنشأت تقول بصوتٍ كصفير الريح:
_ ف..ف.. في..
فقاطعها مَرسال بضحكةٍ عالية وهو يسُدُّ أنفَه بالإبهام والسبَّابة. إلا أنَّها أصرَّت على الكلام رافعةً صوتها بمثل البقبقة تقول:
_ في بط.. بط..
وانطلق مَرسال بضحكةٍ مُجلجلةٍ طالت حتَّى استغرقت وقتَ البرنامج!
ضحك أبي حتَّى انقلب على ظهره.. فتناولتُ من يده آلة التحكُّم النائي وطلبتُ قناة البُرتُقالة.. كانت الإعلاميَّة ديمة صادق تستقبل ميشال عون- صاحبَ مشغلِ الإصلاح والرَّتق بالرابية- وراءه على الجدار مساحةٌ بيضاء، في الوسَط منها رسمُ إبرة الخياطة مُتعامدةً مع خيطٍ بُرتُقاليِّ اللون يمتدُّ نحو الأفُق- شعار الرتَّاقين، عمَّال مَشغَل الرابية- وقد غلبت عليهم التَّسميةُ لغلبة شهرة قسم الرَّتق على المشغَل. سألته ديمة:
_ ماذا تقول يا مُعلِّم للمسيحيِّين؟
قال عون عاقداً حاجبيه:
_ لا تنجرُّوا وراء المشاريع الغربيَّة، الغريبة عن طبيعتنا هنا في الشرق. قُلناها ألفَ مرَّة وأقولها الآن: نحن مسيحيُّون مشرقيُّون، ننتمي إلى هذا الشرق..
_ وعزيزة؟
_ عزيزة مشروع أمريكيٌّ.. (تحاول ديمة أن تقول شيئاً لكنَّه يُسكتها بإشارةٍ من يده ويقول).. اسمعي: في بلاد الرافدين استعملوا التطرُّف الإسلاميَّ لتقتيل المسيحيِّين وتهجيرهم.. عندنا في الشارع اللبنانيِّ جرَّبوا الحرب الأهليَّة. ثم جرَّبوا تردِّي الأوضاع الاقتصاديَّة. وها هم يروِّجون لحُبِّ عزيزة بحملةٍ غير مسبوقة..
_ والغاية؟
_ أن يقطعوا نسلَنا مسيحيِّين ومُسلمين حتَّى تخلوَ الأرضُ  للإسرائيليِّين زعرانِ اليهود.. 
فقالت ديمة:
_ أنتم تدعُون..
فقال يُكمل:
_ نحن ندعُو إلى الزواج الطبيعيِّ.
_ الزواجِ الكاثوليكيِّ؟
فقال بتحدٍّ:
_ لا بل الزواج المدنيِّ! هذه صيغة التعايش المُثلى لنا نحن المسيحيِّين المشرقيِّين حتَّى نعيش مع المسلمين سَواسية. لا نستطيع أن نبقى على اعتزالنا للمُعيَّن بحُجَّة الخوف منه! قولي لي: كيف سنُنجب أولاداً؟
تسأله ديمة:
_ وفي مشغل الإصلاح والرَّتق..
فأجابها المعلِّم:
_ نحن نعمل في العباءة الوطنيَّة إصلاحاً ورَتقاً.. بخلاف غيرنا الذي يُروِّج في تصاميمه لحُبِّ عزيزة.
_ تقصد سمير جعجع.
_ ومَن سواه؟
ترتفق ديمةُ الطاولةَ أمامَها شابكةً أصابعَ يدَيها المَطليَّة الأظافرِ بالأحمر الجذَّاب. وتسأل صاحبَ المشغل:
_ قُل لي كيف يُروِّج مُصمِّمُ الأزياء الراقية سمير جعجع لحُبِّ عزيزة؟
فقال ميشال عون وهو يمُدُّ يده مُشيراً إلى الغرب:
_ يقتبس عن الأورُبِّيين والأمريكيِّين الزيَّ الذي يُجسِّد عجيزة لابسته في إثارةٍ بالغة، وقد يَشِفُّ عنها، وأحياناً يكشف!
يهتف أبي مؤيِّداً:
_ سلِمَ فمُك يا..
·    جميل.. يا جميل!
هتفتُ بها غاضباً:
_ هلا غادرتِ الحمَّام.
·    إنِّي باقية، باقية، باقية!

كانت هذه الحلقة الثانية من روايتي "في وجهك يا وقِح". تليها- عمَّا قريبٍ- الحلقةُ الثالثة: لن يرِفَّ لي جفن.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق